استهوتني، منذ زمنٍ، فكرة التقاط الإشارات التي يرسلها نظام آل الأسد لمغازلة إسرائيل، من الأبواب الخلفية، والتي سبق لي أن أسميتُها "شيفرا الأسد – إسرائيل".
منذ زمنٍ، أي منذ أن وعيتُ حقيقةَ الشعارات التي تمَّ استعباد الأجيال السورية بسياطها، بينما كان الواقع في المقلب الآخر.
وربما يذكر قرَّاء هذه الزاوية أنني ضربتُ العديد من الأمثلة عن تلك الشيفرا، وأبرزها على الإطلاق ما جرى في قرية الغجر بالجولان، حيث قامت هذه القرية -التي ينتمي أبناؤها للطائفة التي ينتمي لها حافظ الأسد- بقبول الجنسية الإسرائيلية بنسبة مئة في المئة سنة 1981، بينما كان التلفزيون السوري الرسمي ينقل بحماسةٍ منقطعة النظير وقائعَ انتفاضة أهل الجولان رفضاً لهذه الهوية!
مناسبة هذا الكلام الآن، إشارة غزل جديدة أرسلها نظام آل الأسد إلى إسرائيل، ومن خلال أشهر الصناعات السورية: الدراما.
فعلى قناة "سما"، وفي الحلقة الأولى من مسلسل سوري حمل اسم "الساحر" (بطولة: عابد فهد وعبد الهادي الصبَّاغ)، تمَّ بثُّ مقطع من أغنية شهيرة للمغنية الإسرائيلية زهافة كوهين .
وبالطبع لا يمكن، هاهنا، الحديث عن "خطأ عفوي" و"هفوة غير مقصودة" لأنَّ الكلام يدور عن مسلسل تلفزيوني يشترك في صنعه العشرات من الكوادر.
تماماً مثلما لم يكن الحديث عن "سهو" و"إهمال" ممكناً عندما قامت قناة "سبورت 24" (التابعة للنظام)، في تشرين الثاني 2018، ببثّ فقرة مطوَّلة لفريق الجمباز الإسرائيلي، مع ظهور العلم الإسرائيلي بشكل بارز، وكتابة اسم إسرائيل بالأحرف الكبيرة.
واللافت أن هذا الغزل "البصري"، إذا جاز التعبير، لم ينقطع طوال السنتَيْن الأخيرتَيْن. فكلُّنا يذكر كيف قام نظام آل الأسد، في السنة الفائتة، ومن دون سابق إنذار، بتسريب فيديو، لم يسبق لأحدٍ أن شاهده، لإعدام الجاسوس الإسرائيلي الشهير إيلياهو كوهين في دمشق سنة 1965 (سُرِّبَ الفيديو على صفحة فيسبوكية تحمل مُسمَّى "كنوز الفنون السورية"). حتى أنَّ زوجة كوهين عبَّرت عن دهشتها من تسريب هذا الفيديو ليعود إليها الأمل من جديدٍ باستعادة رفات زوجها.
وهكذا يتكامل الجانب البصري في هذه الشيفرا "الغَزَلية"، بين دراما عاطفية وعروض رياضية وفيديوهات توثيقية.
وكالعادة، وبعد كلّ إشارة غزلية، يُقدّم النظام وصلةً قصيرةً من الشجب المسرحي، تماماً مثلما فعل البارحة حين أخرج لنا "نقيب الفنانين" ليقول غاضباً عن مسلسل "الساحر" بأنه "من غير المقبول أن يتمّ ترقيص الجيل على أنغام مغنّية صهيونية".
لقراءة مقال: الأسد يراسل نتنياهو
*شاعر وكاتب سوري
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية