تسعى أمريكا لممارسة سياسة الضغط الاقتصادي على سوريا، من أجل إفلاس الدولة، ظانةً بذلك بأنها ستسقط الأسد، دون دفع ثمن باهظ لذلك، وكأن الأسد يأبه لفقر بلاده أو مجاعة شعبه.
هذه الخطة التي تشبه من يشير إلى أذنه بالتفاف يده حول رأسه، لقناعة الرئيس الأمريكي بأنه المحق الوحيد، فلا يستطيع أن يفهم أن إدارة بزنس ناجح لا يعني بالضرورة إدارة استراتيجية سياسية ناجحة.
يصر ترامب على مبدأ المساومة على إعادة الإعمار في سوريا، مع الأوروبيين والروس، وكل الدول المؤثرة في الحل، ولا يدرك أن نهجه هذا سيؤدي للمزيد من المشكلات وتعميقها بدلاً من حلها.
يوماً بعد يوم، تتناقص وجبة السوريين اليومية، ما ينعكس سلباً على أطفالهم الذين يضطرون لترك مقاعد الدراسة – إن وجدت– والتوجه للعمل لمساعدة الأسرة في تأمين لقمة سد الرمق.
ومع انهيار الدولة أكثر، ما تزال حكومة الأسد تسيطر على البلاد، وتحتجز آلاف السوريين في السجون، ما يعني فشل نظرية ترامب كلياً على أرض الواقع.
في هذه الحال نحتاج بالفعل لاستراتيجية أوروبية تضغط بالاتجاه المعاكس للخلاص السريع من الأسد، والبدء بعملية انتقالية وإعادة الإعمار، بعيداً عن خطط ترامب طويلة المدى، التي تراهن على سقوط النظام اقتصادياً، في حين أن من يسقط حقيقية هو المواطن السوري.
لا يزال بإمكان الأوروبيين أن يكونوا قوة في خدمة الحل في سوريا، ويتوجب عليهم أن يرفضوا نهج أمريكا في الضغط الذي سيؤدي بالضرورة إلى نتائج عكسية.
تحتاج إعادة الإعمار التي يساوم عليها ترامب، إلى تحسين مستوى المعيشة للمواطن السوري أولاً، ما يحقق ولو القليل من الاستقرار الذي يضمن استمرار عملية إعادة الإعمار إياها..وهذا لا يمكن البدء به ما لم يبدأ التغيير السياسي المحتمل على المدى القصير.
أما الضغط باتجاه إفلاس سوريا، فسيؤدي بالضرورة إلى تفاقم حالة عدم الاستقرار، وتقوية القبضة العسكرية للأسد الابن على البلاد، والتي تعتمد على المؤسسات اللازمة للحفاظ على السلطة فقط، مهملاً عن عمد المؤسسات التي من شأنها تقديم أوليات الرعاية للمواطن سواء صحياً أو غذائياً أو اجتماعياً.
وهذا لن يؤدي إلى مرحلة انتقالية، ولكن إلى المزيد من معاناة السوريين، والمزيد من اللاجئين، وإعطاء الفرصة السانحة لعودة التطرف إلى البلاد لتصبح أرض خصبة لهذا التطرف، هذا مع عدم تناسي التأثير المدمر المحتمل لفيروس كورونا مما ينبئ بكارثة صحية واقتصادية يمكن أن تودي بالبلاد إلى الهاوية.
فالمعاناة المستمرة للشعب السوري وتأثير الصراع على المصالح الأوروبية يجب أن يدفع إلى تفكير أوروبي عميق بإيجاد استراتيجية أوروبية سريعة للحل.
قد لا يكون بإمكانهم إيجاد هذه الاستراتيجية للتو، والاتفاق عليها، لكن يجب عليهم أن يقوموا بذلك في أقرب وقت، مع مراعاة التحولات الاجتماعية المرافقة لبرنامج التحول السياسي طويل المدى، مدركين تماماً أن نظام بشار الأسد هو المشكلة ولا يمكن أن يكون الحل.
وفي غياب مثل هذا البرنامج، ستزداد معاناة السوريين والمصالح الأوروبية المرتبطة به على حد سواء.
فمن المرجح أن يؤدي إفلاس الدولة إلى تفاقم حالة عدم الاستقرار، وبالنظر إلى الوضع الراهن، وما آلت إليه الأمور خلال السنوات الماضية، انتصر بشار الأسد عسكرياً على الأرض، واستعاد معظم الأراضي السورية المحررة سابقاَ، ويتجه لتعزيز قبضته على البلاد من جديد، ومع ذلك يبقى رهان الولايات المتحدة وبعض الحكومات الأوروبية ورهاننا معاً، على أنه لن ينجح طويلاً بذلك، وبالتالي لا أمل بالسلام بوجوده.
*مزن مرشد - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية