من المصطلحات التي أفرزتها السنوات السورية العشر الماضية، وما أكثرها، مصطلح إعلام الثورة، أو الإعلام الثوري. ولا أزعم معرفتي إن كان هذا المصطلح ورد في كتب الأولين أو المتقدمين من شيوخ الإعلام ومنظريه في مشارق الكوكب الموبوء بفيروس كورنا ومغاربه.
على كل حال، الأمر ليس قضية جدلية، فلعل الأحداث هي من تنحت المصطلحات وتفرض تداولها حتى تصبح ثابتة من الثوابت سواء أصحت التسمية أم لم لتصح.
أطلقت كلمة منشق، بشكل رئيس، على العسكريين وبشكل أقل على السياسيين، وكانت مهضومة، لكن الحلق يغص بها عندما تطلق على "صحافي".. "صحافي منشق".
بعيدا عن فلسفة المصطلحات ومعانيها اللغوية والمجازية، وباختصار، الصحفي الذي خرج من أو على.. استقال من .. انشق عن.. مؤسسات النظام الإعلامية، إنما فعل ذلك، هكذا أفترض، بحثا عن مساحة آمنة يستطيع من خلالها أن يؤدي رسالته التي حالت القبضة الأمنية بينه وبين تأديتها كما يجب. ولا أعتقد أن "الانشقاق" كان لمجرد تسجيل موقف، فأنت عزيزي الصحفي المنشق، لست شخصية سياسية أو عسكرية اعتبارية في بنية جهاز الدولة، ولست نجما إعلاميا عالميا، لتعلن موقفا، فما تقوم به – صحفيا- هو رأس مالك وقدميه، وما دون ذلك فأنت وبائع الفول النابت (مع فائق الاحترام) سيان، بل أزعم أنه أكثر تصالحا مع نفسه، وأكثر فائدة للمجتمع، اقتصاديا على الأقل.
بالعودة إلى "إعلام الثورة"، كثر من الزملاء يسخرون من وسائل الإعلام المحسوبة على الثورة ويطلقون عليها مفردة "دكاكين الثورة"، ومنهم من يذهب إلى محاولة تحليل الأسباب التي أدت إلى عدم نجاحها أو عدم تأدية رسالتها كما يجب، وهذه حالة مقبولة، لكن البعض يصل إلى حد الشتم رغم أنه لم يترك دكاناً من هذه الدكاكين إلا وعمل بها، فإن فشلت هذه الدكاكين عزيزي "الصحافي" فأنت تتحمل مسؤولية الفشل بنسبة ما.
أوجدت الظروف الاستثنائية للحالة السورية، وسائل إعلام متعددة من محطات تلفزيون إلى إذاعات، مواقع الكترونية صحف.. وصولا لصفحات فيسبوك إن جاز لنا اعتبار الأخيرة وسيلة إعلام، وجميعها يعمل وفق أجندات، وأقصد بالجميع "كلن يعني كلن" وهذا ليس اجتراحا، بل هو من أبجديات مهنة الإعلام منذ ما قبل جرير والفرزدق على اعتبار أن الشاعر كان يمثل حالة إعلامية، وصولا إلى يومنا هذا. ولا يمكن لأي وسيلة أن تعمل خارج رغبة الجهة التي أوجدتها، سوى بهوامش تتسع أحيانا وتضيق أحايين.
الإعلام في "ضفة الثورة" شأنه شأن كل الهيئات والمؤسسات والجمعيات والمنظمات والتشكيلات العسكرية، منها من حاول ويحاول أداء ما عليه بأقصى حدود المتاح، منها من نجح بنسبة معقولة، ومنها من أخفق بفعل الممول، ومنها أيضا من فشل بسبب الإدارة الباحثة عن الاسترزاق والإثراء والاختلاس والمحسوبيات، وهذه علة ليست حكرا على "الاعلام الثوري" فالفساد ينخر الكثير من المنظمات التي تتحدث باسم "الانسان" و"الحقوق" بل و"المعتقلين".. أما التشكيلات العسكرية فهي لا تخفى على أحد.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية