خرجت من سوريا في آذار من العام 2012، بما ألبسه على جسدي فقط، وعندما طالبني بعض الأصدقاء بأخذ بعض الأغراض، أشرت لهم بأصبعين من يدي، بأن الأمر لن يطول أكثر من شهرين، وسوف يسقط النظام.
في اللحظات الأخيرة قبل الخروج من المنزل، تذكرت مقولة ما خف وزنه وغلا ثمنه، فوقعت عيناي على صورة شهادتي الجامعية التي كانت معلقة على أحد الجدران، فسحبتها وطويتها ثم وضعتها داخل القميص على بطني، لأكتشف لاحقا بأنني حملت معي أرخص شيء أمتلكه..
في الطريق إلى الأردن الذي استغرق ساعات طويلة من المشي، كانت الشهادة تتحرك باستمرار، إلى أن استقرت في النهاية أسفل ظهري، لكنها كانت بين الفينة والأخرى تحاول الهبوط للأسفل، فأجذبها إلى فوق كي لا أجلس عليها، ويضيع حملي لها هباء منثورا..مكثت في الأردن أكثر من ثمانية أشهر بقليل، لم يفارقني خلالها الإحساس بقرب سقوط النظام أبدا، حتى أن السفارة الفرنسية استغربت من عدم موافقتي لسفر أسرتي معي، وأشرت يومها للقنصل بإصبعين من يدي، بأن الأمر لن يستغرق أكثر من شهرين وسوف يسقط النظام، وأنني بصراحة أرغب بالعودة إلى بلدي، ونفس الشيء فعلت وأنا أحضر حقيبة سفري للذهاب إلى فرنسا في نهاية العام 2012، إذ إنني لم أحمل معي سوى شهادتي الجامعية، وجهاز الكمبيوتر، وثلاث علب من السجائر.
إصبعان ويسقط النظام... فؤاد عبد العزيز*

في الأشهر الأولى من إقامتي في باريس، بدأت أدرك أن سقوط النظام قد يطول أكثر من شهرين، فأخذت أتواصل مع الفرنسيين وأرجوهم أن يأتوني بأسرتي، ويومها تحدث معي القنصل في السفارة الفرنسية في الأردن شخصيا، وذكرني بقصة الإصبعين، ثم قال لي بلؤم، لن أوافق على لجوء أسرتك سوى عن طريق لم الشمل، ما يعني بأن الأمر بحاجة ربما لأكثر من سنتين، إلا أن الأمور تيسرت، واستطعت الحصول على أسرتي بعد تسعة أشهر، وقررت بيني وبين نفسي هذه المرة، أن أجعل من أصبعي الإثنين، دلالة على السنتين وليس على الشهرين.. لذلك أخبرت أسرتي أن إقامتنا في فرنسا لن تطول أكثر من سنتين وحالما يسقط النظام سوف نعود إلى بلدنا وبيتنا.. وبالفعل ظل حلم العودة يراود الأسرة طوال السنتين الأوليتين، وكانت ابنتي الكبرى تلح علي باستمرار، متى سنعود إلى بيتنا يا أبي..؟ لكنها اليوم وبعد انقضاء نحو سبع سنوات على إقامتها في فرنسا، لم تعد تسألني هذا السؤال، وأظن أنها لن تعود ثانية إلى سوريا، حتى لو ملكوها إياها من شرقها إلى غربها ومن شمالها لجنوبها ..! أما بالنسبة لي، فإن حلم العودة ظل يراودني إلى ما قبل التدخل الروسي في نهاية العام 2015، لكن بعدها بدأت أشعر أنه علي أن أجعل من إصبعي الاثنين، ليس دلالة على السنتين، وإنما على عقدين على الأقل.
مؤخرا، وبعد الحديث المتزايد عن قرب رحيل النظام، عدت من جديد لأتحسس اصبعي الاثنين، وأقرأ بنهم شديد تلك الأخبار التي تتحدث عن ذهاب بشار الأسد في غضون شهرين على الأكثر، وبرغبة روسية هذه المرة.. لقد علمتني السنوات التسع السابقة بأن لا أتفاءل بإصبعي إطلاقا، لكنني هذه المرة أشعر بإحساس غريب، بأن هذا النظام الذي أوغل في قتل وتعذيب السوريين، قد شارف على النهاية، لذلك بالأمس، عدت لأشهر أصبعي في وجه زوجتي، ثم قلت لها بعد أن قرأت عدة مقالات..والعلم عند الله، شهران ويرحل هذا النظام، "دوريلي على الشهادة الجامعية يا مرة".
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية