لا أعلم إن كان القارئ الكريم سيتفق معي أم لا، في مسألة حساسة، وهي أنني لا اعتبر النظام في سورية كتلة واحدة ! فلابد من التمعن في مستوى العنف الممارس ليس فقط باتجاه خارجي أي إلى معارضي النظام فقط، بل إلى العنف الداخلي أيضاً، وعندما يكون في الأمر عنف وتهديد بالعنف نصبح أمام طائرة مخطوفة، والركاب يُؤمرون فيطيعون.
ما يجعلني أفكر في هذا الأمر هو كل سلوك دفعي غير عاقل، يرتكبه الجمهور المعارض عندما يرى طيراً يفكر بالتحليق الحر بالرأي، أو ممارسة النقد الشديد للسلطة من داخل البلد، وكأنما يقولون: إياك والنقد أو المعارضة، فلقد تأخرت حضرتك، وكأنهم يحملون أختام الوطنية، مثلهم مثل النظام!!
منذ عدة أيام، قام مواطن سوري بتسجيل فيديو يعبر فيه عن سخطه، واحتجاجه على الفقر وبدأ التسجيل بالقول: أتمنى ألا تكون النتيجة اعتقالي ! (لا تعبوني) ! أي أن الأمر ليس احتجاجاً على الفقر فقط، بل وعلى كم الأفواه.
وما إن انتشر التسجيل حتى بدأت الشماتة به، وحتى استخدمت الألفاظ الطائفية، بشكل يدعو للقلق بحق بشأن المجتمع السوري!
فأنا نفسي سجلت فيديو عام 2014 للجمهور، أدعو به رأس السلطة إلى عدم الترشح للرئاسة، من أجل خير البلاد ومن أجل حل وطني، ومن أجل فسح المجال أمام شعبنا لكي يجرب ويصنع الأمل مع رئيس آخر، ومع ذلك وعندما قرأت بعض التعليقات على تسجيلي آنذاك فوجئت بعقليات البعض المريضة التي قالت: (علوية ببعضكم كذا منك و كذا منه) !
هل هي صعبة صراحتي؟!..ربما لدى البعض لكن ليس عند الغيورين على البلد.
الطوأفة – يا سادتي – والحماقة السياسية مارسها الجميع في القضية السورية،
ويجب أن تتوقف! وإنني إذ أقول هذا أعرف أن خيار السلطة منذ البداية، كان الذهاب إلى معركة عسكرية دامية حين انتصر الفريق المتطرف فيها على أصحاب العقول الهادئة، وكان منهم الأستاذ فاروق الشرع ولم يكن وحده ! لم يكن وحده.
ومن لا يرى بأننا نخسر الفرصة تلو الفرصة لكي نعيد للمجتمع السوري وحدته، وحتى وجوده فاقد للبصيرة! فأخطر ما يحدث هو انقسام السوريين، وهذا الانقسام كان ليبدو صحياً، لو أن الأمر سياسي فقط، بيد أن في الأمر ما يشبه القبائلية!! نعم (القبائلية السياسية) وهي تعني ببساطة، أنك إن لم تولد معنا، أي في قبيلتنا، فلست منا؟! وكأن الأمر يشبه التحزب لفريقي المدينة الرياضيين و(هات يا تشنج)!! إلا أن الكرة هنا من نار وليست رياضة.. وهنا يكمن أحد الأسباب الرئيسية في خلق أطول حرب في التاريخ المعاصر وهي الحرب السورية.
أيها المعارضون والمؤيدون، هذا وطن نريد أن نبنيه سوياً، وأن ينتهي الاستبداد الذي ظلمكما معاً، وإني لا أرى في كليكما إلا ضحية، حتى وأنتما تتناكفان وتقتتلان ! وعلى الكل أن يدرك أنه لا طريق لعودة سورية بلد أمل وازدهار بالعور السياسي.
هنا أود القول ختاماً بأن البعض وجه لي تساؤلاً عن "زمان الوصل" قائلاً: أنت تكتب في صحيفة أحادية الرأي؟ فأجبتهم وأعيد هنا: لقد أثبتت لي هذه الصحيفة أنها منبر حر غير أحادي، وتقبل الآراء، وتحترم الرأي الآخر، فلو كانت كما تقولون (عوراء الرأي) لما وجدت فيها هذا الكم من التنوع، وهذا بالتحديد ما نحتاجه في بلدنا وهو الرؤيا والرؤية بكلتا العينين وعدم احتكار الحقيقة.
واعذروا صراحتي...
حديث صريح جداً.. د. محمد الأحمد*

*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية