عندما روى لنا القصة بتفاصيلها نقلاً عن قريبه الذي شاء القدر أن يكون هناك في موقع العمل، لم نكد نصدق ما نسمع، لولا أننا رجعنا إلى الصور الجوية للتأكد من صحة الرواية والحكاية، التي لا يقبلها عقل أو منطق، وعندها تذكرنا أنه في سوريا الأسد تحدث المستحيلات.
*بداية القصة
القصة بدأت في آب/أغسطس من العام 2014، عندما شكل محافظ ريف دمشق وقتها المهندس "حسين مخلوف" خلية أزمة لدراسة مشكلة نقص مياه الشرب التي تعاني منها منطقة "صحنايا" و"الأشرفية" المجاورة لها جنوب دمشق، وقد اتخذت المحافظة وقتها عدة تدابير عاجلة لتأمين المياه وهذه الإجراءات ليست هي موضوع اهتمامنا هنا. ولكن موضوعنا هو العقد الذي تم توقيعه بالتراضي بين المؤسسة العامة لمياه الشرب وبين مؤسسة "الإنشاءات العسكرية" من أجل دراسة وإنشاء خزان مياه استراتيجي يتسع لـ 10 آلاف متر مكعب، يروي المنطقة هناك بالكامل. وبالفعل فقد وقع الاختيار على تلة مقابلة تسمى تلة "المصطبة" لإنشاء هذا الخزان الضخم، وهذه التلة عسكرية خالصة قبل العام 2010، حيث يمنع على السكان هناك الصعود عليها، ثم في منتصف العام 2011، تم تجهيز هذه التلة من قبل الإيرانيين، وقاموا بإضافة عدة (بلوكوسات) جديدة داخلها ثم بعد طمرها وضعوا بداخلها عتاد وأجهزة تنصت واتصال.
ولا يعرف صديقنا كيف استطاعت مؤسسة الإنشاءات انتزاعها من يد عسكر النظام والإيرانيين لإنشاء هذا الخزان، حيث تم الانتظار عاماً كاملاً من أجل تحضير مخططات الخزان، والذي توقع شاهدنا أن يكون خزاناً دائرياً أسوة ببقية خزانات المياه الكبيرة داخل دمشق، أو أسوة بحاضنات السوائل الكبيرة التي يرغب المهندسون في أن تكون دائرية وذلك عائد لحسابات إنشائية هندسية وفنية خاصة ليس مكان ذكرها هنا.
ويقول الشاهد "لقد كانت المفاجأة عندما جاء المخطط لنجد أن شكل الخزان مربع وليس دائريا، وهذه مشكلة بالنسبة لمستوعبات السوائل كما ذكرنا سابقاً، ولكن يمكن التغلب عليها أيضاً ببعض التدعيمات والحسابات الهندسية المعروفة للمختصين".
يضيف: "كانت أبعاد البناء حسب المخططات 47 × 43 متراً أي بمساحة طابقية 2000 متر مربع (دونمين) كاملين، وهي مساحة ضخمة جداً تعادل بمساحتها، 20 شقة طابقية كل شقة منها بمساحة 100 متر مربع كامل".
ومع بدء الحفر وتجهيز القاعدة البيتونية في آذار/مارس من العام 2016، كانت كل الأمور توحي بأن ما يتم إنشاؤه شيئٌ آخر، ومع تقدم العمل وبناء الجدران الخارجية، وبدء التقطيع الداخلي - يقول شاهدنا- إنه كلما دخل إلى داخل البناء أحس أنه داخل شيء غريب، وهو يشبه كل شيء إلا أن يكون خزاناً للمياه كل شيء يوحي بأن ما يتم إنجازه شيء آخر غريب".
الشروط الهندسية من أولى شروط الخزان أن تكون الكتلة البيتونية الخارجية (الحاضنة الخارجية)، جسما واحدا وليست متقطعة، لأن تقطيع الكتلة البيتونية الخارجية يكون نقطة ضعف قد تسبب بكارثة انهيار الجدران بسبب الضغط الكبير الحاصل عليها فيما بعد، وهذا ما لم يحصل هنا بالطبع، وتتابعت عمليات الإنشاء على مدى العام 2017 وبدأ شكل الخزان المفترض يتوضح شيئاً فشيئاً، فالتقطيع الداخلي يبدو بهذا الشكل الذي تراه في الصورة أدناه، ويشير شاهد العيان على تنفيذ لمشروع لـ"زمان الوصل" إنه "لاحظ وجود كتلتين بيتونيتين متناظرتين في الشمال والجنوب، توصل كل منهما إلى ساحة صغيرة من جهة اليمين (انظر الصور).
ثم بعد البدء بتسقيف الخزان كان يتم تسقيفه على أجزاء ومراحل أيضاً وليس ككتلة واحدة متماسكة، إضافة إلى البدء بإنشاء بعض التمديدات والأنابيب التي توحي بأنه خزان مياه فعلاً وذلك في الجهة الغربية (الصورة أدناه)، مع البدء ببناء بعض الغرف المستقلة داخل الكتلة من الجهة الغربية (اليسرى)، مع مساحة كبيرة نسبياً لفتحات التهوية السقفية والتي تبلغ متراً مربعاً واحداً. ويمضي شاهدنا في روايته أنه "وبعد اكتمال التسقيف تقريباً تركت الساحتين الصغيرتين الخلفيتين اللتين في الجهة الشرقية (يمين الصورة) والتي تؤدي إليهما تقطيعات الجزئين المتناظرين من البناء تركتا مفتوحتين إلى الجهة الخلفية دون جدران أو سقف (تركتا حتى قبيل انتهاء السقف بالكامل).
ويوضح أنه "كلما دخل إلى المكان بعد تسقيفه كنت أشعر أنني داخل سجن رهيب، أو شيء آخر لم أعهده خلال سنوات عملي الطويلة في الأعمال الإنشائية، وأن الساحات الصغيرة الشرقية توحي بأنها ما هي إلا ساحات صغيرة للتنفس داخل هذا السجن الضخم المرعب.
وفي نهاية العام 2018 تم تقطيع الجزء الغربي على شكل مكاتب متجاورة، وقيل له حينها إن هذه المكاتب من أجل الفنيين والعاملين على صيانة وحراسة هذا الخزان، إضافة إلى تقطيع الساحتين الصغيرتين في الجهة الشرقية (اليمنى) مع القيام ببناء جدار أسمنتي لإغلاق هذين الجزئين (انظر كتلة البناء المرتفعة في الجهة الغربية يسار الصورة، وإغلاق المساحات الصغيرة في الجهة اليمنى).
*خزان مياه وسجن
ويتابع المصدر نفسه: "في نهاية العام الماضي 2019، تم الانتهاء من تنفيذ الأعمال الإنشائية للمشروع بالكامل، وكانت المفاجأة التي طالما توقعتها خلال سنوات العمل فبعد تسليم المشروع جلسنا مجموعة من العاملين والمهندسين في دعوة عشاء مع المهندس (علاء نجوم) مدير المشروع المنفذ من مؤسسة الإنشاءات العسكرية والمهندس (معاذ النهار) من مركز البحوث العلمية". ويضيف أن "المهندس (نجوم) قال للحاضرين في صيغة ممازحة بعد أن سأله أحد المهندسين عن أن شكل هذا الخزان غريب ولم يسبق له رؤية شيء مشابه طوال سنوات العمل والدراسة، فقال: مبروك للجميع إنجاز العمل دون مشاكل أو حوادث، ومبروك لأهالي صحنايا خزان الماء، هلق إذا في مي بيصير خزان وبيشربوا منو صحتين وعافية، وإذا ما ضل مي..الدولة ما رح تخسر شيء, بشوية تعديلات بسيطة بصير أحلى سجن ما في منو بكل سوريا". ويذكر شاهدنا عدة أمور حدثت خلال فترة الإنشاء أثارت انتباهه وهي أن "لمركز البحوث العلمية بصمة واضحة في هذا المشروع بسبب تردد المهندس معاذ النهار إلى منطقة المشروع بشكل دائم وبشكل شبه شهري تقريباً".
كما أن لحادثة جرت ربما يكون سردها هاماً في هذا السياق، وهو ما حدث في شهر تموز/يوليو من عام 2018، عندما قدم إلى منطقة المشروع وفد إيراني مؤلف من ضابطين بلباس عسكري برفقة مترجم وضابط سوري بلباس مدني لم نتعرف عليه، وبعد إخلاء المشروع من العمال قام هؤلاء الإيرانيون بجولة داخل المشروع لمدة حوالي ساعة واحدة ثم غادروا دون أن نعرف سبب مجيئهم أو فحوى الحديث الذي دار داخل المشروع بسبب إبعادنا عن منطقة العمل وقتها".
إضافة إلى "تلة المصطبة" مكان المشروع والتي لا تزال تحت حراسة عسكرية من عناصر الفرقة الأولى، مع ملاحظة تواجد لبعض العناصر الإيرانيين العاملين على الأجهزة الموجودة ضمن (البلوكوسات) التي تم إنشاؤها سابقاً كما ذكرنا في بداية التقرير.
زمان الوصل - خاص
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية