أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

سمير غانم والطفلة السورية بائعة السوس*

من أحد أسواق مدينة إدلب - جيتي

تذكرني صورة الطفلة السورية "بائعة السوس" التي تم تداولها بكثرة على مواقع التواصل ‏الاجتماعي خلال اليومين الماضيين، بالمصور الجنوب أفريقي "كيفن كارتر" الذي انتحر بعد ‏ثلاثة أشهر من نيله أرفع جائزة للتصوير الصحفي عن صورة التقطها في قرية "أيود" في ‏السودان عندما ضربته المجاعة في العام 1993.‏

الصورة، كما هو معروف، التقطها "كارتر" بعد أن سمع أنين طفلة هزيلة كانت تزحف باتجاه ‏مركز توزيع الطعام، وبينما أخذ يستعد لالتقاط صورة لها حط نسر بقربها.

"كارتر" لم يشغله أنين الطفلة بل انتظر عشرين دقيقة، كما ذكر لاحقا، على أمل أن ينقض عليها ‏النسر فيلتقط أفضل صورة، لكن الطائر اللاحم لم يفعل، أما "كارتر" فلم يطرد النسر إلا بعد أن ‏التقط الصورة، ويبدو أنه خشي أن يطير النسر باتجاه آخر فيخسر لقطته.. أخذ صورته وترك ‏الطفلة تحاول الزحف للوصول إلى المركز.‏

بعد أن نشرت الصورة في صحيفة "نيويورك تايمز" تلقت الصحيفة مئات الاتصالات تسأل عن ‏مصير الطفلة التي لم يلمسها "كارتر" لأنهم أخبروه بضرورة عدم لمس الأطفال بسبب الأمراض ‏المعدية!!.. هكذا قال.‏

"كارتر" الذي امتهن التصوير حاز بصورة "لا أخلاقية" أرفع جائزة، وهذا ما كان يسعى إليه، ‏لكن السؤال ما الذي يسعى إليه من التقط صورة الطفلة السورية التي تحمل من القهر ما يملأ ‏الفم دما؟ إن كان يريد صاحب الصورة إخبار الناس بأن هناك طفلة تبيع السوس ولا بد من ‏مساعدتها، فما هكذا تورد الإبل وهناك ألف طريقة وطريقة لتوصيل مثل هذه الرسالة، فهو لا ‏يملك الحق الأدبي في انتهاك حرمة طفلة، وأكاد أجزم أن من نشرها ما كان ليفعل ذلك لو أن ‏هذه الطفلة ابنته أو أخته، بل حتى لو كانت قريبته.‏

لن أطيل في الحديث عن الإعلام وأخلاقياته التي تمنع "أدبيا" تداول مثل هذه الصور، وهنا ‏ربما يسأل أحدهم، وماذا عن صورة الطفل إيلان الذي وجد ملقى على شاطئ بحر إيجه أو ‏عمران الذي أخرج من تحت الأنقاض في حلب؟ ‏ تلك الصور التقطت في سياقها الطبيعي غير المفتعل وغير المستجدي أصلا، فالثاني كان يحدق ‏بالعالم كله، أما الأول فأدار له مؤخرته.

المسألة لا تقف عند صاحب الصورة، أو الناشر الأول، لكن الأدهى والأمرّ أن يعاد نشرها ‏مئات المرات على حسابات الفيسبوك وغيره، متحولة لمصدر إلهام في تدبيج المناشير ‏العاطفية التي لا تسمن من جوع ولا تغني عن بيع السوس، بل حسب بعضها، أي المنشورات، ‏أن تعجب القارئ فيضغط على "زر" "أحببته" وبهذا ينال رضا المتابعين والقراء، كما هو حال ‏المشاهدين لمسرحيات سمير غانم وغيره الذين كانوا يتعمدون إدخال كومبارس له جسد نحيف، ‏أو قصير القامة، أو طويل أو سمين...الخ بغية إثارة ضحك الجمهور لسخرية "البطل" من ‏الكومبارس، وكأن النص كتب على قياس الكومبارس، أو تم البحث عنه بعد الكتابة.‏

"كارتر" قتلته صورته، إذ انتحر، وفي بعض الانتحار شجاعة، تاركا رسالة مما جاء فيها: ‏‏"تطاردني ذكريات حية عن عمليات القتل والجثث والغضب والألم.. لأطفال كان يتضورون ‏جوعاً أو جرحى من المجانين المولعين بإطلاق النار، أغلبهم من الشرطة..من الجلادين ‏القتلة...".‏

*حسين الزعبي - من كتاب "زمان الوصل"
(315)    هل أعجبتك المقالة (253)

ليلى

2020-04-29

حسبنا الله ونعم الوكيل.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي