"الاعتقال وقوفاً" في زنزانة منفردة تشبه "التابوت" الشاقولي هي إحدى وسائل التعذيب التي استخدمها النظام بسادية ووحشية في تعذيب معتقليه وبطرق لم يشهد التاريخ لها مثيلاً.
*أكثر من 72 أسلوبا للتعذيب
واستخدم النظام في معتقلاته 72 صنفاً على الأقل من التعذيب تراوحت بين الحرق بالماء المغلي وتقطيع أجزاء من الجسم، مروراً بالاغتصاب وصور العنف الجنسي الأخرى، وصولاً إلى الإهمال الطبي بما يشمل السماح للأطباء المتدربين باستخدام السجناء للتدرب على إجراء الجراحات -بحسب تقرير لصحيفة "غارديان" البريطانية نُشر أواخر العام الماضي.
وقال التقرير إن 1413 شخصاً تعرضوا لتعذيب حتى الموت من العام 2011 إلى الآن في معتقلات النظام، ولم ينقضِ أي شهر من جميع تلك السنوات دون أن تسجل عشرات الوفيات بسبب التعذيب داخل مراكز الاحتجاز التابعة للنظام السوري، الذي يزال مستمراُ في ذلك حتى الآن.
ونشر الكاتب والمعارض "محمود عادل بادنجكي" صورة تم التقاطها له عام 2013 عندما كان يعاين فرع الأمن الجنائي في "منبج" بريف حلب بعد تحريره لإحدى هذه الزنزانات الجهنمية التي كان يتم وضع أكثر من معتقل فيها رغم أنها بالكاد تسع لواحد، وأكد القائم على السجن في زمن النظام، وهو ذاته بعد التحرير أنهم كانوا يضعون ثلاثة معتقلين أحياناً في زنزانة واحدة من هذا النوع، وقبل أن يتم بادنجكي اندهاشه دخل إلى الزنزانة مع الصديقين الآخَرين لإثبات روايته، وطريقة توسيع المعتقلين الثلاثة في تابوت.

وفي حديث لـ"زمان الوصل" عاد "بادنجكي" بالذاكرة إلى ذات يوم من حزيران يونيو/2013 عندما كان في مهمة لمساعدة الأعمال التنموية من تعليم وصحة والأمن، ومن خلال جولته الأولى دخل -كما يقول- إلى قسم الأمن الجنائي الذي كان تابعاً للنظام ففوجئ، بوجود توابيت شاقولية كوسيلة للاعتقال وهي ست خلايا، كل خلية منها بالكاد تسع لمعتقل واحد، واضطر في تجربته الذاتية أن يضم يديه ليتمكن من الوقوف داخلها وكي لا يصطدما بالجدار كنوع من التجريب.
وعلم "بادنجكي" من ضابط الصف الذي يتولى إدارة المكان أن النظام كان يعتقل في الخلية الواحدة أحياناً شخصين أو ثلاثة وعند تجريب الأمر صُعق أكثر، وتستمر فترة الإعتقال ليومين أو أكثر أحياناً حسب قضية الاعتقال وهي وسيلة ضغط وإكراه لانتزاع الاعترافات.
وأردف محدثنا أن وضعية الوقوف في هذا النوع من الزنازين وعدم تحريك العضلات تؤدي إلى الشد العضلي وينتج عنها ما يُعرف بـ"حمض اللبن" في الدم الذي يؤدي إلى مشاكل في التنفس أو التنفس السريع وآلام في العضلات وضعف عام في الجسم، ويتسبب بالموت وتصريفه يحتاج إلى تنفس ونشاط رياضي.
ولفت محدثنا إلى أن فرع الأمن الجنائي ليس الأقسى بين المعتقلات لدى النظام فهناك فرع "فلسطين" وفروع الأمن العسكري والسياسي والجوية وأمن الدولة وفيها أشكال من التعذيب لا تخطر على بال بشر.
* تهريب موقوفي مخدرات
أحد أصدقائه روى له أنه كان يخدم الخدمة الإلزامية في شعبة أمن "الدولة" في دمشق قبل الثورة فاكتشف حالات تهريب للموقوفين بقضايا مخدرات من لبنان إلى السعودية عبر سوريا والأردن تورط فيها بعض عناصر الأمن بمعرفة رئيسهم.
وحاول الإبلاغ عنها فكان جزاؤه الحَبس بما يسمّونه (بيت الكلبة) وهي زنزانة مكعّبة أبعادها مترXمترXمتر، وإبقاؤه بها لمدّة ثلاثة أشهر لا يستطيع الوقوف أو الجلوس أو التمدّد. يوضَع له فيها الخبز اليابس والماء من خلال فُتحة صغيرة. حتّى انتابته حالات ذعر كسَر فيها عظام يديه ورجليه في محاولة يائسة للتحرّر المستحيل.

وروى "بادنجكي" أنه قابل بعد ذلك أحد المعتقلين السابقين لدى النظام في أوروبا وهو طالب هندسة إلكترونية روى إن جلادي النظام وضعوا عصابة على عينيه وأدخلوه إلى مكان رطب، وأثناء سيره وقع في حُفرة لا يزيد ارتفاعها عن متر، ولا قطرها عن 70 سم. بحيث تتّسع حتّى لوضعيّة قرفصاءٍ، ثمّ أغلقوا عليّه الفُتحة بغطاء من (الفونط) يُستخدم لتغطية فتحات المجاري وتم سدها بإحكام كي لا يتحرك لانتزاع الاعترافات وخرج في اليوم التالي بعد أن اعترف بما فعله وبما لم يفعله.
و"محمود عادل بادنجكي" كاتب قصة قصيرة يحمل شهادة اقتصاد من جامعة حلب تفاعل من خلال كتابته مع الثورات العربية التي سبقت الثورة السورية. ثم تفاعل مع الثورة السورية باسمه الصريح وبسقف عال، وبقي في سوريا حتى 10/9/2012.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية