قلبي اطمأن: ليست حزورة رمضان*

برنامج خيري عُرض رسمياً لأول مرة في 13 مايو 2018، حيثُ حقّق نسبَ مشاهدةٍ وتفاعلات عالية. يُعرض على مواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى قناة نور دبي، وقناة MBC1، وقد ذكّرنا البرنامج بأيام زايد الخير، ثم صارت إلى ما صارت إليه، فابن زايد هو الذي يموّل كل الثورات المضادة، بل يموّل جميع أنواع الاحتلال، وإن لم يكن يموّلها، فهو يحضّ المحتلين على التنكيل بالشعوب، حتى يصير هو القدوة في الدين والدنيا وهو يؤزهم أزّا.
وتقول معلومات البرنامج على الشبكة إنه الموسم الثالث، ويُظنّ أن الأول كان في مصر، والثاني في السودان وموريتانيا، والثالث في الأردن، وقد صارت الدول العربية فقيرة، ويُخشى أن تنضمّ السعودية إلى الموسم الرابع.
وهم يتم برعاية مؤسسة اجتماعية إماراتية هي الهلال الأحمر الإماراتي، لا أدري سبب وصف الهلال بالأحمر، فاللون الأخضر أولى، أم هو اقتداء بمؤسسات غربية؟ بطل البرنامج امرؤ اسمه غيث، مقنّع، ملثّم، لا يظهر وجهه، يأتي في ليل الكاميرا، كما في حكايات الأقدمين والسلف الصالح، ويُغيث المحتاجين، ويطمح البرنامج المموّل من أموال متبرعين ومتصدّقين في الإمارات إلى كفالة عشرة آلاف يتيم في الأردن، وهو عمل صالح يستحثّ الثناء، وهو يُشعر المشاهد بالسعادة، عندما يرى البسمات على وجوه أيتامٍ ومفقرين، لكن الدولة الإماراتية مسؤولة عن ملايين الأيتام في سوريا ومصر والسودان واليمن، الذين قُتلوا ووجهوهم مكشوفة.
قد يذكّرنا البرنامج بالدعايات السياسية، عندما يزور الرئيس عائلة واحدة" علشان الصورة تطلع حلوة" فنسعد، لكنها غالباً تمثيل.
لم يكشف غيث عن شخصيته، والناس يتساءلون عنها، ولكنها لا تعني لا كثيراً، ولا قليلاً، ما تعنينا هي البسمة على وجه المحتاج والمضطّر، وقد قال البرنامج إن بمقدور كل إنسان أن يكون غيثاً ومغيثا، وقد صارت الكاميرا في برامج أخرى لازمةً للتباهي والتفاخر والرياء، حتى أن بعض المتصدّقين تمنّع عن الصدقة لتأخر الكاميرا، فصدقة السر تطفئ غضب الرب، لكن لن يَطفأ غضبه على تشريد الملايين من بيوتهم إلا بالاستغفار وإعادة الاعتبار والاعتذار. وأمس عرض رئيس الإمارات مساعدة على الأسد للهجوم على إدلب، وتشريد من بقي هناك، ممن شُرّدوا مرات ومرات!
لكننا سنفصل بين السياسة وبين الصدقة وإن كان البرنامج يرمي إلى الدعاية السياسية أحيانا، أجر المتصدّقين هؤلاء عند ربهم، ولا نقلّل من صدقتهم، وهو عمل أفراد ومؤسسات وقفية، ويبدو أن الدولة سكتت عنه، مع أنها تحارب الإسلام بلا هوادة، لكن يبدو أنها رأت أن تستفيد منه إعلامياً.
في إحدى حلقات البرنامج يشتري غيث بضاعة بائعة سودانية من اللّب ويسعدها، وإلى جوارها بائعات أخريات لم يسعدهن الحظ مما يحول الصدقة إلى يانصيب وفيلم هندي ونسخة من المليونير المتشرد من غير مسابقة.
لولا أننا لا نرتاب في البرنامج وصِدقَ أهله، لكنّا نصحناهم بالتبرع لعبد الفتاح السيسي، فقد شحّ نهر النيل، وهو يقول نحن فقراء قوي، ويريد الفكة، جميل أن الدولة المصرية سمحت لهم بالتصوير، ولم تجبرهم على التبرع لصندوق تحيا مصر، ولا نظن أنه سيذهب إلى سوريا أو إلى مخيمات السوريين، وهم مفقرون، وبالملايين، وصاحب دولة المتصدقين هو أحد أسباب نزوحهم.
قلبي لم يطمئن، بل إن الفأر يلعب بعبّي، وقلبي شديد القلق على ملايين الفقراء والمساكين والهاربين والنازحين من أوطانهم، وكثير الشك في أن يوظَّفَ البرنامج سياسياً لإعلاء شأن قتلة الملايين.
وقد انشغل كثيرون باسم غيث ومن يكون، ويعلو البرنامج فزورة رمضان، غيث ليس زورو المقنّع، لكن يُخشى أن يكون روبين هود، الذي كان يسرق الأغنياء ويعطي المسروقات للفقراء، وهذا لا يجوز في الإسلام، فالله طيّبٌ ولا يقبل إلا طيّباً، وقد تبرعت المافيا الإيطالية بسبعة مليارات دولارات للفقراء في إيطاليا! وقلبي غير مطمئن للصدقة على امرأة كل يوم، او ثلاثين ارملة في الشهر والوطن العربي والإسلامي الأرامل والأيتام بالملايين.
*أحمد عمر - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية