أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

حفيد "وحش سوريا الكبير" يلخص مشهد الرعب الحاضر بمشانق لاتعد ومناجل لاتحصى

ديب

منفوت عا جوّاتنا منشوف طين
مجبول عا هيئة وحوش بذاتنا
منفوت عا برّاتنا منشوف (حين)
أوحش مِن الْعم يكبَروا جوّاتنا

.. قد لا يصدق كثيرون أن هذا الرجز المصاغ "زجلا" والذي ينعى على الإنسان توحشه، إنما كتب بيد حفيد واحد من وحوش سوريا الذين عرفتهم حقبة الأسد، الشهير بـ"شفيق فياض".

فالبيتان أعلاه، هما مطلع قصيدة زجلية نشرها مؤخرا "الزجال" شفيق ديب، سمي جده "العماد شفيق فياض"، الوحش الذي أكمل ديكور "مزرعة" أسس لها حافظ الأسد، وأرسى قواعدها لتكون حكرا على الضواري.

حب الزجل والتعلق به، وحسب ما لدينا من معلومات ورثه شفيق الأصغر من شفيق الأكبر (العماد)، حيث كان هذا المجرم –وللمفارقة المبكية- مغرما بشعراء الزجل في لبنان وما يرسمونه من لوحات شعرية مدهشة، وفي مقدمتهم "زغلول الدامور" أحد ملوك الزجل على مستوى المنطقة، وليس لبنان وحده.

ويبدو أن الملك "زغلول" لم يستطع بكل ما لديه من سطوة، أن يقاوم أو يعاند رغبات "الإمبراطور" شفيق فياض، الذي كان أحد حكام لبنان ومفوضيه "السامين!"، فقبل "الملك" أن يُجلس بقربه وعلى نفس المنصة غرا في الشعر والعمر، لينافسه ويرد عليه البيت بالبيت، ولم يكن هذا الغر إلا "شفيق ديب" الحفيد، الذي كان في 19 من عمره حينها!

واليوم، لا يعدم شفيق الصغير، حتى بعد وفاة جده، من يجلسه على منصات "الشعر" فتجده ضيفا هنا وهناك على الفعاليات "الثقافية"، وحاضرا على شاشات النظام وفي إعلامه، إلى درجة أن جريدة "الوطن" المملوكة لرامي مخلوف استضافت "الزجال" مرتين في غضون 5 أشهر تقريبا، وأفردت له في كل مرة صفحة كاملة، وكأنها تتعامل مع شاعر من قامة نزار قباني أو ممدوح عدوان، على سبيل المثال.

وكحال جده الذي كان "يصلح" لكل شيء تقريبا، فكان ضابطا يقود الجحافل، وحائك دسائس يتفنن في القفز على الحبال، وسمسارا يتولى قبض الرشى والعمولات، ومالكا كبيرا "يلعب" بالأراضي والعقارات.. كذاك حال شفيق الصغير، فهو يطرق بزجله مختلف الموضوعات، اجتماعية كانت أم "وطنية"، رثائية كانت أم غزلية (يخاطب إحداهن زجلا: لا تفقّعي قلبي بفكّ الحرف/ فكّ الزّرار كتير أسهلّي).

*بلشت أنضام
الزجال الذي ولد لأب يخدم برتبة عميد (اسمه غيث)، وجد برتبة عماد، لا يدع مجالا للشك في أنه من معتنقي بل ومقدسي مقولة "أعذب الشعر أكذبه"، فتراه يغالي في تمجيد جيش نظامه وتصويره كفرقة فرسان، لا كعصابة قتل ونهب، لأن هذا التمجيد الكاذب يعد بنظره مقياس "الوطنية"، رغم أن شفيق شهد على نفسه وعلى أبواق النظام عندما قال ذات مرة: بالكون أكتر تنين بيكذبوا أحيان/ راوي حكايا الحرب والشاعر الوطني.

ومع كل ما خلفه الجد من منهوبات و"جاه" يخال المرء أنها ستغني الأولاد والأحفاد، فإن زمن الأسد الولد (بشار) أزرى بأغلب من كانوا حول أبيه حافظ، وقلم مخالبهم لصالح وحوش جديدة استجلبها معه "الرئيس الشاب" ضمن الطاقم الجديد.

ومن هنا فقد أحس شفيق الصغير بمرارة "يتم السطوة" عندما لفظ جده الوحش "شفيق فياض" أنفاسه ذات يوم من خريف 2015، فصاح "الزجال" بصوته: وينك يا جدي/ بلشت أنضام.. وينك يا جدي/ كلهن ضدي.. جنحي انكسر/ وانقطعت الأحلام.

ولا يكتفي بهذا التصريح بل يتوجه شفيق الصغير إلى من سماهم الأقزام، الطامعين برؤيته مخذولا مذموما بعد وفاة جده، فيخاطبهم بعنجهية تعلمها في مدرسة حافظ الأسد وشفيق فياض: اسمي شفيق وفشرت الأيام/ يتمقطعوا فيي بعد جدي.

ولكن مضي السنين أثبت لشفيق الصغير على ما يبدو أنه كان مخطئا، وأن عهد بشار الأسد قادر على صعق السوريين، كل السوريين بمواليهم ومعارضيهم، بما لا يمكن تصوره من مشاهد الضيم والذل والانكسار التي تجعلهم يتمنون لو أنهم كانوا نسيا منسيا.

وقد تأكدت ظنون شفيق الصغير، عندما قتل قريبه وقريب بشار الأسد (غيدق مروان ديب) على يد سلطات الأسد نفسها قبل بضعة أشهر، في حادثة ضج لها معظم شبيحة النظام وأعوانه في الساحل.

ومن هنا لم يعد غريبا حتى على حفيد الوحش "شفيق فياض" أن يخرج في زجليته الأخيرة ليصرخ ضد حصار الوحوش الموجودة في داخل الناس وخارجها، ويتحدث وهو الذي تربى في ظل قاتل ولص، عن قتلة ولصوص ملثمين، مستحضرا لهم هذا المشهد المرعب، وهم يحلمون في عتمة الليل مناجل لاتحصى ومشانق لا تعد لحصد الأرواح:

عم يركضوا بْهالليل ناس مْلتّمين
معهن مناجل عا عدد شعراتنا
معهن أصابع عا عدد نظراتنا
معهن مشانق عا عدد أصواتنا.

إيثار عبدالحق-زمان الوصل-خاص
(605)    هل أعجبتك المقالة (576)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي