ترصد رواية "لغة الحصار" للطبيب السوري "محمد وهبي" جوانب من بدايات الثورة في مدينة قلعة الحصن بريف حمص الغربي، وكيف قابلها النظام بالدم والبارود وجوانب من إجرام شبيحته بدءاً من المشفى العسكري في حمص، حيث كان يعمل مؤلف الرواية.
وشهد خلال تلك الفترة أساليب تعذيب وتصفية لا تخطر ببال بشر بحق المصابين المعتقلين الذين كان يؤتى بهم من أماكن المظاهرات السلمية لتعذيبهم بدل علاجهم، ومروراً بسنوات الحصار التي عاشها أهالي القلعة وخروجهم في ملحمة "الموت والنزوح" باتجاه الأراضي اللبنانية واختفاء عشرات العائلات منهم في بلدة "مرمريتا" بعد إيهامهم بالتسوية المزعومة.
وينحدر وهبي من قلعة الحصن في ريف حمص الغربي 1986 تعلّم المراحل ما قبل الجامعية في مدينته ودرس الطب البشري بعدها في جامعة حلب 2004 ليتخرج منها عام 2010 كطبيب عام، والتحق باختصاص "الجراحة البولية" في مشفى حمص العسكري بداية العام 2011 كطبيب مدني إلى حين اندلاع الثورة السورية التي عايش بداياتها ولمس بأم عينه مدى التوحش والجرائم والانتهاكات التي كان يمارسها الأطباء والممرضون وحتى المستخدمين مع المتظاهرين المصابين الذين يتم إسعافهم حصراً إلى المشفى "سيئ الصيت" بأوامر من النظام.
وبعد فترة نُقل الطبيب "وهبي" إلى مشفى "ابن النفيس" في دمشق لإكمال اختصاصه، ولكنه لم يباشر هناك حينها بل عاد إلى قلعة الحصن في حزيران يونيو/2012، وأسس مع مجموعة من زملائه مشفى ميدانيا، حيث عاش حصار المدينة إلى حين خروج الأهالي منها في آذار مارس/2014 بعد أن فقد والديه وزوجته وشقيقه وزوجته الذين خرجوا عن طريق التسوية المزعومة التي كان النظام يسوق لها عن طريق بعض رجال الدين والشخصيات المحسوبة عليه –كما يروي لـ"زمان الوصل"- مضيفاً أن حوالي 112 شخصاً من كبار السن والأطفال والنساء اضطروا للجوء إلى "دير مار جرجس" القريب من قلعة الحصن واختفوا، ومن بينهم عائلته، ولم ترد أي معلومات عنهم منذ أواخر العام 2014، أما هو فخرج مع مجموعة من المقاتلين بقوة السلاح عبر القرى المتاخمة للحدود اللبنانية.
في فترة وجوده في الحصار كان "وهبي" يكتب بعض الخواطر والنصوص الأدبية بتشجيع من والده معلم اللغة العربية وكان يحلم –حسب قوله- أن يكتب عن الثورة السورية وإجرام النظام في "قلعة الحصن" كما عايشه وبعد انتقاله إلى أحد مخيمات النزوح في سلقين بالشمال السوري بداية العام 2015 بدأ بتدوين ما رآه وعاينه على أرض الواقع.
وتنقسم رواية "لغة الحصار" إلى جزئين: الأول تخيل وهبي فيه إخراج والده المغيّب من أحد سجون النظام بصفقة تبادل أسرى وهو الجانب الخيالي الوحيد الموجود في روايته الواقعية –كما يقول- وبحسب مجريات الرواية التي تقع في 200 صفحة يذهب والده إلى مخيم "عائدون" في الشمال السوري، ويلتقي حفيده حيث يحكي له عن مجريات الحصار والأحداث التي عايشها الأهالي في قلعة الحصن قبل رحلة الموت.
أما الجزء الثاني فيتضمن مذكرات "وهبي" الشخصية، سواء كانت في المشفى العسكري بحمص أو في المشفى الميداني في قلعة الحصن وظروف الحصار والموت جوعاً كما عايشها، وفقدان العائلات جراء التسوية واختفائهم في "دير مار جرجس" الذي يضم للمفارقة ما يُعرف بـ "العهدة العمرية" التي أعطى فيها خليفة المسلمين سيدنا "عمر بن الخطاب" الأمان للنصارى آنذاك ونظم من خلالها علاقتهم بالإسلام وشروط حمايتهم من أي إيذاء في حياتهم ومعتقداتهم، وفي ذات المكان الذي يضم هذه الوثيقة التاريخية اختفت تلك العائلات فيما يشبه "الثقب الأسود" ولم يُعرف مصيرهم إلى الآن.
وأشار وهبي إلى أن الأحداث التي مر بها وعايشها بكل لحظاتها كانت مؤلمة وثقيلة الوطأة وقلة من الناس من سمع بها خارج قلعة الحصن، وكان هدفه توثيق جرائم الحصار والقتل والتجويع التي طالت الأهالي، ولفت المصدر إلى أنه اختار اسم "لغة الحصار" عنواناً للرواية لأن النظام فرض أساليب حصار لا تخطر ببال بشر مثل منع الدواء ورغيف الخبز وكل وسائل الحياة الممكنة، وهذه لغة خاصة تميز بها نظام الأسد المجرم عن غيره من الأنظمة الديكتاتورية في العالم.
وكشف "وهبي" أن روايته تتضمن أسماء حقيقية لمجرمين من ميليشيا "الدفاع الوطني" وشبيحة النظام سواء في وادي النصارى أو في مشفى حمص العسكري، ومنهم "بشر اليازجي" الذي كان بمثابة الغطاء الديني للشبيحة في وادي النصارى والشبيح "عبد المسيح الشامي" والإعلامية المحرضة "ماغي خزام" والكثير من الأطباء في مشفى حمص العسكري ومنهم "شعيب" و"أسامة النقري" و"علاء موسى" و"علي الحسن" و"هيثم عثمان" ومدير المشفى تلك الفترة "علي عاصي".
وحول ما امتازت به مدينته عن باقي المناطق الثائرة على النظام أوضح "وهبي" أن قلعة الحصن تعرضت مثل غيرها من المدن إلى القصف والعنف والبطش والإرهاب بشتى أنواعه من قبل النظام، لكن الحصن امتازت- كما يقول- بأمرين أولهما المحيط سواء كان وادي النصارى أو القرى الممتدة باتجاه الداخل نحو حمص وباتجاه الغرب نحو الساحل، وهي بحدود 85 قرية وبلدة موالية للنظام مما شكل ضغطاً كبيراً على "قلعة الحصن"وساهم في حصار قلعة الحصن ومنع كل وسائل الحياة عنها وخصوصاً بعد قطع طريق قرية "الزارة" القريبة ورصده نارياً من قبل مراصد الشبيحة ومرابض مدفعيته، وكذلك فالحصن إلى جانب "الزارة" هما البلدتان الوحيدتان اللتان خرجتا بقوة السلاح بعيداً عن التسويات والباصات الخضراء التي ارتبطت بألاعيب وخدع التسويات.
"لغة الحصار".. رواية تحكي قصة اختفاء 112 من قلعة الحصن في دير يضم "العهدة العمرية"
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية