تقوم الآن بعض هيئات المعارضة السورية بمكاشفات ذات أهمية بالغة، لا نرى فيها إلا بوادر إيجابية في العمل السوري المعارض، فالدرس الذي تعلمناه من الدول التي نهضت وصارت منارات اقتصادية وسياسية وفي كل مجال هو الشفافية والمكاشفة.
إن الراغبين بتغيير نظام استبدادي شمولي يعشق أسلوب الصناديق السود، وهي تلك الصناديق التي تدفن فيها الأسرار مع أصحابها في كثير من الأحيان، لا يحق لهم أن يجلسوا هم أيضاً على صناديق سود، ويظنون أنهم جالسون على كراس معارضة !!.
تمتلىء وسائل التواصل الاجتماعي بتسجيلات صوتية ومتلفزة، لشخصيات معارضة، تقدم كشوف حساب في المواقف والسلوك، وحتى في القضايا المالية، فلا يمكن لصاحب ضمير وعقل أن يقبل مشهد ذاك الأب الباكي في الغوطة، أثناء حصارها وهو يعد رغائف الخبز ويتمنى أن يسقط على رأسه الصاروخ من أجل أن تنتهي حياته، حتى لا يسمع جملة (بابا جوعان) ! في الوقت الذي صنع بعض الثورجيين رؤوس أموال ضخمة لأنفسهم وأبنائهم، وكأن العبقري زياد رحباني كان يتكلم عنا أيضاً في مسرحية (فيلم أمريكي طويل) عندما كان يتحدث عن زعيمه (أبو الجماجم) الذي صنع من (لبنان الجديد) الذي كان يمني عناصره به (مطعم لحمة بعجين) ! عندما سرق أموال الجماعة.. وكان يكرر لبنان الجديد لحمة بعجين، لبنان الجديد لحمة بعجين.
نفهم أن الفساد طريقة حياة في إدارات النظام ! ونفهم أن أهم أسلوب لضمان ولاءات الناس عند النظام هي الملفات الجاهزة تحت الطلب، كما قالها صراحة في مؤتمر "صحارى" طيب سوريا الكبير الراحل "طيب تيزيني"، ولكن ما بال المعارضين؟! لا يفقهون شاعراً قال:
لا تنه عن فعل وتأتي مثله....عار عليك إذا فعلت عظيم
كما أنه من المهم هنا، أن ما يجري من مكاشفات، لا تتعلق فقط بالمال، بل بأساليب العمل والأداء.
بكل الأحوال لابد من القول إن في الصف المعارض أناسا نبلاء وطهرة، ومنهم من يمتلك رؤى محترمة للعمل، ولا بد أن يتصدر هؤلاء المشهد وذلك عبر غربلة محترمة وبغربال محترم.
ولابد أن يتشابه مع آليات العمل الديموقراطي الوطني، الذي نشتهيه لسورية بعد التغيير، ومن الآن يجب أن يطبق ويصير قاعدة عمل. فالمطلوب الأول هو الشفافية والمكاشفة وتقديم المشروع المعارض قبل أي شيء، وقبل أي اعتبار آخر ولندع الناس تختار قياداتها المعارضة، عبر استخدام التكنولوجيا الرقمية.
لقد دفع شعبنا من عمره عشر سنوات، أي جيل كامل من المعاناة والقهر والدمار، وأقولها بكامل المسؤولية الوطنية: إن هذه المعاناة لا نهاية لها ما لم يتم انتخاب مشاريع وقيادات معارضة، مؤهلة للعمل من أجل الشعب السوري الجريح، فأول حقيقة كنا نواجه بها في كل محفل نخوض النقاش فيه حول مستقبل البلاد كان في (فن البدائل) وفن البدائل هذا في العلوم السياسية يتشكل عبر سيرورة مستمرة، دائمة العمل والتكيف مع مستجدات الحال وبناء على اتصال استجابة بين القاعدة والقيادة. وهنا القاعدة هي الشعب السوري الذي هجر ونزح وترك بيوته بسبب القصف والدمار، وصار شتاتاً في كل أصقاع الأرض، والقيادة الممكنة والقابلة للتغيير الدائم والتكيف مع واقع الحال هي ما يختاره هؤلاء الناس، بناء على اقتناعهم بالأفكار المطروحة والمشاريع المقدمة وأصحاب هذه المشاريع، فإذا شرعنا بتنفيذ هذه التجربة كسابقة عالمية في العمل السياسي المعارض، سوف نحصل أيضاً على أهم سلاح معارض، وهو وحدة المعارضة السورية، لا بل وكثير من القدرة على استقطاب الداخل.
فن البدائل.. د.محمد الأحمد*

*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية