بداية لابد من التأكيد على أن أي اقتصاص من مجرمي الحرب السورية هو انتصار للعدالة، وبث للأمل في قلوب من تركت فيهم المآسي الدموية ندوباً غائرة، وإيماناً بأن الحق منتصر حتى في زمن التلوث والتلون ونصرة الباطل.
الفظائع التي ارتكبت في سوريا لم تحصل حتى في الحرب العالمية الثانية التي مورست فيها موبقات الانتقام على أوسعها، فقد ارتكب النظام ورجالاته وميليشياته كل فنون الجريمة من إهانة الكرامة البشرية إلى الإبادة في أبشع تصورات العقل البشري عنها.
اليوم يحاكم في ألمانيا ضابطان أسديان بتهم تتعلق بالاعتقال والقتل والتحريض عليه والمشاركة في التخطيط والتنفيذ لجرائم حرب بحق السوريين الأبرياء، وهذا فتح الباب للنظر خارج قاعة المحكمة حيث عشرات الآلاف من المجرمين الكبار والصغار ما زالوا يمارسون بطشهم وجرائمهم، وكثير منهم يعتقدون أن يد العدالة قاصرة، ولن تصل إليهم، وأن ثمة من يحميهم من رعاة إقليميين ودوليين، وأن يد هؤلاء طويلة وقوية.
أهالي الضحايا والمختفين والمعتقلين يرون أن يد العدالة ما زالت قاصرة، ويأملون في أن تتسع دائرة الحق لتنال من كل من ساهم في ذبح السوريين لأنهم طالبوا بالحرية، وبعضهم ما زال يشكك في تحقيق ذلك، فأمام العين حروب انتهت ومجرموها طلقاء، ومنهم من عاد ليمتطي ضحاياه من جديد تحت عناوين أخرى، ومسميات جديدة حيث لا خيار سوى لدى ساسة العالم سوى إعادة إنتاج المجرمين وأبنائهم لكي يسطوا على مقدرات تلك الشعوب، والأهم إبقاؤها في غفلة وتخلف.
الجريمة في سوريا وقعت على مكون كبير بأذرعها وفنونها، فمارس النظام القتل الوحشي بالطائرات والبراميل والصواريخ، وأذرعه الأمنية لاحقت الناشطين والرافضين بالتعذيب والقتل والسجن، وأما ميليشياته الطائفية فقتلت وسرقت وأحرقت وأذلت كل سوري تحت يافطة حماية كرسي النظام، ومحاربة الإرهاب التكفيري، واستباحت بإيعاز من السلطات البيوت والأملاك واستولت عليها أو باعتها.
الأيدي القانلة منوعة وملونة في سوريا، وفتح النظام أبوابه من البر والبحر والجو لعموم القتلة والطائفيين للعبور إلى بيوت السوريين، الذين كان يجب أن يقوم بدور حمايتهم، واستدعى مناصريه على أسس طائفية للمساهمة في الذبح والقتل، وكل هؤلاء يرون أنهم يدخلون في حرب بدعوة من حليف دولي وليس إلى مذبحة أقيمت من أجلها الصلوات، ودعوات الجهاد ولانتقام.
أطراف أخرى ركبت موجة الثورة وما زالت تفتعل القتل في شمال البلاد، بعد تم توزيعه من قبلها في غوطة دمشق وجنوب البلاد، ومن بين ظهرانيها خرج اللصوص والمجرمون، وتنظيمات متطرفة مارست الذبح تخت راية الثورة تارة وتطبيق الإسلام وتعاليمه تارة أخرى.. فمن يقتص من كل هؤلاء؟
مجرمون آخرون استغلوا الحرب للتجارة والإثراء سواء في الاقتصاد أو الإعلام والإغاثة، ومنهم باسم نجدة السوريين في المخيمات والداخل المحاصر، جمعوا الثروات ثم عادوا تائبين إلى حضن النظام.
العدالة بالتقسيط تبدو مؤلمة وقاصرة، وهناك من يرغب بها كاملة كما الحرية، لتطال الرؤوس قبل الأذرع والأقدام، أي الذين أصدروا ألأوامر وليس الأدوات فقط.. وإلا فإن كثيرون سيجدون الطرق مفتوحة للنجاة بما اقترفوا.. وربما يعودون بأيدٍ "بيضاء" لحكم السوريين وسرقتهم.
العدالة بالتقسيط.. والرؤوس متى؟

*عبد الرزاق دياب - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية