إن عاجلا أم آجلا ستنتهي الأزمة وستتوقف "المجزرة الكونية" التي ينفذها الفيروس الصيني. وسواء تيقن العالم أن كورونا من مخرجات مختبر ووهان أم انتقل من الخفافيش إلى الإنسان بفعل المزاج الصيني في الطعام، بل حتى ولو تبين أنه جاء من الفضاء، فإن الصين ستبدأ بدفع الثمن الأكبر لتداعيات ما بعد الفيروس اعتبارا من اللحظة التي يبدأ فيها الغرب، بشقيه الأوروبي والأمريكي، باستعادة توازنه والاستفاقة من الصدمة.
أما المراهنة على سقوط الغرب بالمعنى المادي الناتج عن الأزمة ومن ثم بالمعنى الحضاري، وبالتالي نهوض حضارة أخرى تقود العالم فلا يبدو أن وقتها قد حان، فلا الصين ولا روسيا لديهما ما يكفي من الشروط الحضارية لإدارة العالم، ولا "الشرق المتوسطي"، المعادل التاريخي للغرب، عاد للتاريخ منذ أن خرج منه.
الوقت الآن هو للعدو الأصفر (الصين)، وهذه المرة ليس في سياق الحروب الايديولوجية كما كان الأمر مع العدوين الأحمر الشيوعي (السوفييتي) والأخضر (الإسلامي)، بل في سياق صراعات اقتصادية في مرحلة بلغت فيها الرأسمالية أقصى حدودها، وهذا من معالم نهايتها كما يرى أتباع ماركس، وربما هذا ما يجعل المعركة معركة وجود.
الحرب التجارية الأمريكية الصينية، بدأت قبل أزمة كورونا، ولعل أوباما أول من نبه إليها من خلال دعوته لنقل الاهتمام الأمريكي إلى المحيطين الهادي والهندي (الممرات البحرية الحتمية للصين)، وربما كان هذا الأمر بمثابة استشعار مبكر لسيناريوهات سيئة لم تتضح معالمها سوى بمجيء ترامب وإعلانه حرب الضرائب على المنتجات الصينية، ويبدو أن ترامب كان محقا في سعيه لإعادة توطين الشركات الأمريكية في الولايات المتحدة بعد أن أصبحت الصين موطنها.
وجاء دور العدو الأصفر.. حسين الزعبي*

قبل جائحة كورونا بشهور قليلة صعد ترامب من حربه التجارية، وكان مدفوعا بهواجس استمرار اجتياح الصين لأسواق العالم، بما فيها السوق الأمريكي، لكن الأمر تجاوز الخطوط الحمر بوصول بكين في صناعة تقنيات الاتصال (هواوي نموذجا) إلى النقطة التي باتت فيها قادرة على ضرب عصب "القوة الأمريكية الناعمة" المتمثلة بالصناعات الرقمية، هذه الصناعة التي تحكم واشنطن من خلالها بيوت سكان الكوكب وتدير أدق خصوصيات حياتهم، جاعلة منهم مستهلكين بمئات مليارات الدولارات لبضاعة افتراضية رقمية.
لأيام قليلة خلت، ورغم تفشي كورونا، لم يتخذ الغرب بشقه الأوروبي موقفا منحازا لواشنطن في المواجهة التجارية، بل ربما كان أقرب للصين جراء الشبق الربحي "الترامبي" الذي تسبب بأزمات ضريبية مع فرنسا وألمانيا، بل وطالب الأخيرة بدور عسكري خارج حدودها، باعتبارها قوة اقتصادية وليست قوة عسكرية. لكن الحال تغير وبدأت لندن وباريس، وبرلين إلى حد ما، بالعزف وفق النغمة الأمريكية، ففي اليوم الذي قال فيه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إن لدى الصين ما تخفيه، خرج وزير الخارجية البريطاني "دومنيك راب" بتصريح ساخن، على عكس عادة الانكليز، عندما سُئل عما إذا كان سيكون هناك "حساب" مع الصين بعد انتهاء الأزمة فقال: "ليس هناك شك في أنه لا يمكن أن يكون لدينا عمل كالمعتاد معها بعد هذه الأزمة، علينا أن نطرح أسئلة صعبة".
إن كانت جائحة كورونا وضعت الجمر على رماد الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة وأنذرت بتصعيد لاشك أنه سيبدأ مع تلاشي صدمة الفيروس، فإن ما شهده العالم من انهيار لأسواق النفط الأمريكية يشي بأن انقلابا سيحدث على ما تبقى من ضوابط العلاقات الدولية، ولن ينتظر العالم من ترامب أن يكون وديعا في سياساته الدولية والانهيارات تضرب أسواقه، أما أوروبا التي اعتادت تاريخيا أن "تولد من التدمير الخلاق" فلا يُعتقد أنها ستكون أقل شراسة من غيرها.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية