أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

بمناسبة اجتماع مقهى الرشيد.. د.محمد الأحمد*

الكاتب: إن البلد تحتاج أبناءها، وتحتاج منهم أولاً قول الحقيقة - جيتي

منذ عدة أيام مرت الذكرى الثالثة والسبعون على اجتماع مئة رجل تقريباً في دمشق عام 1947م، في شارع 29 أيار، وذلك في مقهى الرشيد، الذي كان واحداً من أكبر مقاهي دمشق، لكنه هدم وشيد مكانه مبنيان واحد تشغله سينما السفراء والآخر المركز الثقافي الروسي.

بين هؤلاء الرجال الذين اجتمعوا في المقهى -معظمهم من سورية والعراق- كان هناك أردني واحد هو (منيف الرزاز والد رئيس الوزراء الأردني الحالي) واثنان من لبنان.

وترأس الاجتماع الأستاذان ميشيل عفلق وصلاح البيطار، وهما الزميلان القادمان من باريس عقب دراسة الحقوق.

لكن الكثيرين لا يعلمون بأن أموراً كثيرة سبقت هذا الاجتماع، كان لها صفة العمل الحزبي أيضاً، ولكن تحت مسميات مختلفة، مثل (حركة الإحياء العربي) و(حزب اليقظة العربية)، وذاك النشاط بدأ تحت سلطة الانتداب ومنذ عام 1942م.

ولقد كان لهذا النشاط مكتب صغير مقابل حديقة السبكي (جنينة المدفع) في حي الشعلان بدمشق، وهو نفس المكتب الذي صار أول مقر لجريدة البعث، فيما بعد.

أورد هذه الحقائق التاريخية لأهمية التنظيم السياسي الذي نتحدث عنه، فلقد حكم العراق منذ عام 1968، حتى الغزو الأمريكي لبغداد عام 2003، وحكم سورية منذ عام 1963 ولازال حاكماً حتى الآن ! وهناك الكثير في جردة الحساب عند الحديث عن البعث.

لكن البعثيين الأوائل لم يكن ليخطر في بالهم أبداً أن مآلات الأمور التي سيصنعها أعضاء الحزب نفسه سوف تصل إلى هنا!، فلا عفلق ولا البيطار ولا فؤاد الركابي (العراقي).

كان ليخطر في بالهم أن الرفاق الضباط سيأكلون البيضة والتقشيرة كما يقول المثل.

فإذا تحدثنا عن سورية، تبدأ حكاية عسكرة البعث حقيقة من عسكرة السياسة السورية، وذلك عندما قام الضابط المغامر حسني الزعيم عام 1949 بضرب الديموقراطية السورية الوليدة أول صفعة في حياتها، ومن يومها كرت السبحة، وبدأت الرتب العسكرية تصنع السياسات و لا تشتغل شغلها الحقيقي كما يجب! كما أنه من الضروري التنويه إلى أنه في عام 1953، توحد البعث مع حزب المرحوم أكرم الحوراني (الحزب العربي الاشتراكي) الذي كان يتمتع بشعبية خاصة بين الفلاحين (البدو والعلويين) وبعدد كبير منهم كمنتسبين، وذلك لأن الحوراني تبرع بضياعه (قراه) كلها للفلاحين العاملين بها، وأسس منهجاً محترماً في نبذ الطائفية وهو من عائلة سنية حموية عريقة.

كان لاندماج الحوراني، ولعشق أبناء الفلاحين المنتسبين لحزبه سابقاً للكلية الحربية منذ الخمسينيات، أن يشكل بداية الظاهرة (المشكلة) في البعث، وهي تأثير ودور العسكر الريفيين، ولكن الثلاثي القيادي (عفلق، البيطار، وحوراني)، لم ينتبهوا إلى خطورة دخول السياسة إلى ثكنات العسكر، ولا دخول القيادات العسكرية في العملية السياسية !!. وما أظن الأمر في الحقيقة، سوى ضعف إدراك لحجم المشكلة، وتأثر بما كان يحصل في العالم، حيث كانت ظاهرة (الضابط السياسي) بسبب الحرب العالمية الثانية قوية وطبيعية، لا بل إن عسكرة المجتمعات بسبب الحرب نفسها كانت أمراً اعتيادياً، قامت فيما بعد الدساتير الحديثة بمنعه تماماً.

كما أنه من المهم القول هنا بأن أبناء الريف السوري –ليس العلويين فقط – بل و من كل الطوائف، كانوا ينخرطون في الجيش ويحبونه، بنسبة أعلى من أبناء المدن، وذلك بسبب الفقر، ولأن الجيش يعطي الضابط المنتسب إليه هيبة خاصة وراتباً من الشهر الأول لدخوله الكلية العسكرية.

أسوق هذه الحقائق جميعها لكي أحاول شرح (مقدمات المصيبة) التي نعيشها اليوم ! فلا يعقل أن يكون جيش البلاد جميعها، جيشاً يقوده ضباط من مذهب واحد، وأن لا نتوقع أي احتجاج أو ردة فعل من الشريك الوطني والأخ في الوطن ! وما على أي شخص يمتلك ذرة من الضمير والتبصر العقلاني، إلا أن يرى حجم المشكلة، إذا كان بالفعل يريد بناء وطن.

كما أنني أريد الحديث عن حزب البعث السبعيني العمر، لكي أطلب منه الاعتذار عن معظم ما حصل، نعم الاعتذار ! فهل يستطيع؟! أو هل سيأتي اليوم الذي يكون له فيه قيادة لديها جرأة الاعتذار؟!

بكل الأحوال يبدو أنه قد صار من الحكمة، الإقرار بأن الإيديولوجيات تصبح جميعها ضارة عندما تتحول إلى أحزاب سياسية، فالعقائد أو الإيديولوجيات، التي تمتلك رؤى شاملة أو شبه شاملة للحياة، تضع حدوداً محرمة أمام أعضائها لا يسمح لهم بعبورها مطلقاً ! كما أن الأحزاب العقائدية، تعادي المصلحة الوطنية في كثير من الحالات، وتصرف كل ما في جيب الوطن من أجل فكرة عقدية.

من هنا فإن بلدنا بحاجة إلى أحزاب (المصلحة الوطنية) وليس لأحزاب (الأدلجة) ولقد علمتنا الحياة الصعبة هذا الدرس القاسي..فعندما كنا ننتمي لحزب عقائدي، كان الرومانس والهتاف العقائدي، يذهب العقل ويذهب المصلحة الوطنية، لا بل كان هذا هو السبب الحقيقي الذي أفشل كافة حركات التحرر العالمية، التي كانت في أثناء الهتاف تختار قياداتها بدلاً من استخدام العقل وآلات الوطن الحاسبة! فخسرت حركات التحرر كل مواقع المواجهات التي خاضتها، فيما بعد! (الاتحاد السوفيتي والمعسكر الشرقي) ما عدا استثناءً واحداً جعل من دولة واحدة، من دول حركات التحرر –سابقاً - تنافس اقتصادياً أقوى دول العالم الرأسمالي، وهو الاستثناء الصيني، لأنه أدب زوجة الرفيق الأمين العام (ماو) عقب وفاته، و جاء بالرفيق المنبوذ (دينغ سياو بينغ) ليبني الصين ليس على أساس عقائدي (أحمر) وهو القائل (ليس لون القط هو المهم، المهم أن يصطاد الفئران) !!

فهل سيأتي يوم نعي فيه أخطاءنا الكبرى؟

إن البلد تحتاج أبناءها، وتحتاج منهم أولاً قول الحقيقة والوقوف الصادق أمام الذات من أجل بناء هذا البلد الذي تدمر، والبناء المادي غير ممكن قبل بناء النفس الصادقة.

*من كتاب "زمان الوصل"
(265)    هل أعجبتك المقالة (263)

محمد

2020-04-10

احسنت القول. لا فض فوك..


abu ahmed

2020-04-14

سيدي الفاضل أراك مقرا أن الجيش يقود ضباطا" من مذهب واحد , وطبعا تقصد العلويين الذين لا يشكلون أكثر من عشرة بالمائة من الشعب السوري المنكوب بهؤلاء الضباط المتسلطين على الشعب السوري , ثم تقر أنه يجب توقع احتجاج وردة فعل من الشريك الوطني والذين هم بقية السوريين التسعون بالمائة من الشعب ويشكل السنة منهم أكثر من ثمانين بالمائة منهم كما يعلم جميع السوريين , سؤالي لك الآن هل يعقل أن يكون صاحب العشرة بالمائة شريكا لصاحب التسعين بالمائة؟ أم أن صاحب العشرة قد سرق صاحب التسعين وسلبه حقوقه . أخشى أن لا يكون ذلك من باب التضليل , وامر آخر أستغربه من كلامك وهو أنك تطلب الاعتذار من حزب البعث السبعيني صاحب النكبات والهزائم وبيع الجولان وضياع البلاد وقتل العباد , فاي اعثذار يشفع لتلك الجرائم التي أرتكبت بعهد البعث السبعيني ؟ أليس من الاجدى والأجدر أن تطلب اجتثاثه كليا" ومحاكمة قادته والمتسترين بغطائه واقصد الضباط الذين ينتمون للمذهب الواحد الذي أشرت اليه أنت ؟.


التعليقات (2)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي