يعيش الأدباء والمبدعون السوريون المعارضون لنظام الأسد في مواطن لجوئهم واقعاً من الإقصاء والتهميش وسط حالة من الخيبة والتعتيم وعدم تفعيل أعمالهم ونشرها بين الناس.
"زمان الوصل" التقت عدداً من الأدباء السوريين في مختلف ألوان الإبداع ممن يعيشون في عدد من بلدان اللجوء للوقوف على هذه الظاهرة وأسبابها، حيث أشار الأديب والقاص "نجم الدين السمان" إلى أن السؤال عن تجاهل المبدعين في بلدان اللجوء ليس دقيقاً تماماً بصيغته الإطلاقية، وخير دليل –كما يقول- فيلم "من أجل سما" للمخرجة السورية وعد الخطيب الذي حصد أكثر من 30 جائزة حتى الآن آخرها جائزة الأكاديمية البريطانية للأفلام "بافتا" لأفضل فيلم وثائقي منذ أيام.
وأردف أن هذا التكريم ناتج عن مزيج من البنية المتماسكة للفيلم وأيضاً لانتقاء الفكرة عن قصف الأسد وبوتين للمستشفيات؛ وهذا موضوع إنساني يتقاطع يتضامن معه كثيرون.
وتابع أن هناك تجارب ناجحة أخرى كالفيلم الذي شارك فيه "جهاد عبدو" عن تجربة النزوح عبر البحر، وتعمّد فيلم "طلال ديركي" تعميم مصطلح "البيئة الحاضنة للإرهاب"، بينما شهدت منطقة "معرة النعمان" مظاهراتٍ عديدة ضد "جبهة النصرة" وأخواتها في المنهج، بل مواجهات معها، وكذلك فرقة "أوركسترا أورنينا السورية" التي تُعد مثالاً وحققت نجاحاً لافتاً، ومنذ 2011 تمت ترجمة كثير من الروايات والقصائد والقصص السورية إلى لغات منها: الإنكليزية والفرنسية والألمانية والسويدية والإيطالية وسواها.
وأعرب السمان عن اعتقاده بأن الموجة الأكبر للإبداع السوري في التغريبة قادمةٌ لا ريب، بعد فترة التأقلم مع بلدان اللجوء وتعلّم اللغة وتجميع الطاقات السورية المبعثرة، وهذا يحتاج الى وقت ومبادرات وجهد لترسيخها,
وأردف "السمان" أن ما يدعو الآخرين للاحتفاء بالإبداع السوري هو اختيار المضمون والبنية الفنية في أي عمل أدبي وإبداعي عامة، وعلينا –كما يقول- أن نعرف كيف نخاطبهم ثقافياً، بل من أية زاويةٍ أيضاً، دون التنازل عن دورنا كشهود على ما جرى وعن مصداقيتنا، لأي سبب بما في ذلك ما تمليه الجهات المموّلة.
واستدرك محدثنا أن المبدعين السوريين الذين اضطرهم نظام الأسد للخروج من سوريا يقفون الآن في الخطوات الأولى للتأسيس، وعليهم أن يبلوروا فاعليتهم بطريقة أكثر تضامناً فيما بينهم وأكثر تنظيماً.. حيث لا مجال للارتجال هاهنا.
ولفت الشاعر "سليمان نحيلي" إلى أن نتاج المبدعين والأدباء السوريين الذين يعيشون حالة اللجوء المديد لم يتوقف، لا بل ربما شهدنا لدى كثير من هؤلاء المبدعين تطوراً ونضوجاً في تجاربهم الإبداعية، ولكن بنفس الوقت لا يُنكر أثر قيام المؤسسات الثقافية في دول اللجوء باستقطاب هؤلاء المبدعين وإشراكهم في المشهد الثقافي لديها لما يحقق ذلك من عملية تمازج واحتكاك بين أدباء كلا البلدين.
وأضاف بأن المؤسسات الثقافية في بلدان الضاد بشكل عام تحتفي بمبدعيها غالباً بشكل متأخر فكم من مبدع تمّ تكريمه بعد أن احتواه القبر فغاب المُكرم وحضرت صورةٌ مكبٍرة له تتصدر قاعة الاحتفال، يخترق زاوية إطارها شريط أسود، أو حينما يكون المرض والشيخوخة قد أنهكاه، فزهد في التكريم وربما بالحياة، فكيف الحال إذا كان المبدع لاجئاً وليس من مواطنيها وهذا ما يبعث على الحزن والخيبة للأسف.
ولم يستعبد "نحيلي"، الذي يعيش لاجئاً في العاصمة الأردنية عمان أن تكون هناك أسباب سياسية تحكم علاقة دول اللجوء بالمبدع السوري اللاجئ على أرضها ومواقف تلك الدول من النظام السوري خاصةً إذا كانت تحتفظ بعلاقتها معه، ولو في غير العلن وهذا يحول في كثير من الأحيان دون تكريم المبدعين من المعارضين للنظام على أراضيها، أو حتى إشراكهم بندوة أدبية.
والتقط الشاعر "ياسر الأقرع" الذي يعيش في الأردن منذ ست سنوات الحديث ليشير إلى أن كثيراً من الدول ما تزال تتعامل مع النظام السوري بشكل ضبابي، فلا هي ضدّه ولا هي معه بشكل واضح، وتعاملها هذا ينعكس طبعاً على الجانب الثقافي، فمعظم الدول التي لجأ إليها السوريون- ومنهم الأدباء لا تمنع الأصوات الأدبية –حسب قوله- من التعبير عن آرائها في معارضة النظام السوري، لكنها تحجّم من المساحة التي تشغلها هذه الأصوات.
وأشار "الأقرع" الذي قدم إلى الأردن أوائل عام 2014 إلى أن تجربته الشخصية لا تنطبق زماناً ومكاناً على غيرها من تجارب أدباء آخرين في بلاد أخرى، مضيفاً أن أن إحدى الإذاعات الأردني أجرت مع أول لقاء بعد وصوله إلى الأردن بشهرين وتلاه بعد ذلك عدة لقاءات في الشهور الثلاثة التالية، ثم أجريت معه عدة لقاءات تلفزيونية على قنوات مثل: anb، وأورينت، ومرايا العربية.. وغيرها.
كما نال شهادات التكريم ومن مستويات عليا في الدولة وإحداها من قبل أمين عام الديوان الملكي في المملكة الأردنية الهاشمية السيد "يوسف العيسوي". وفسر الشاعر المتحدر من مدينة حمص حال التجاهل التي يعيشها الكثير من المبدعين السوريين في بلاد لجوئهم بأنهم يضطرون إلى السعي الدؤوب في تأمين مستلزمات حياة كريمة لهم ولعائلاتهم وهم الذين تركوا في سوريا (تحويشة العمر) وجاؤوا ليس معهم إلا ما يكسو عري أجسادهم ويدمي جراح قلوبهم.
والسعي وراء تأمين متطلبات الحياة لا شكّ سيكون على حساب نتاجهم الأدبي ونشاطهم الثقافي، ومن ثمّ ينعكس على غياب التكريم.
وبدوره رأى الروائي "فتحي المقداد" أن الثقافة بشكل عام لا تحظى بدعم الداعمين الذين ضخوا الأموال للحرب والدمار، ولأجندات مطلوب تمريرها بأيّ ثمن كان، حتى ولو جاء على حساب الدّماء بإزهاق الأرواح البريئة، وأردف أن "جنون الحرب.. ومخرجاتها القذرة، لم تترك للكلمة والرأي والثقافة وأصحابها أي نصيب من الكعكة.
ونال المثقفون السوريون كما غيرهم من فئات المجتمع –كما يقول- نصيبهم الكافي من القمع والاعتقال والقتل والسحل، والتهجير القسري خوفاً ونجاة بأرواحهم وأسرهم.
وخاطر قسم منهم كما الآخرين بالهروب إلى أوروبا على متن قوارب الموت، وفي بلاد اللجوء واجهوا المشاكل بالسكن داخل المخيمات، وعظمت معاناتهم في سبيل تأمين رغيف الخير وحياة تحافظ على أقل القليل من الكرامة لأطفالهم، فاضطروا لممارسة أعمال شاقة مقابل أجر مادي زهيد، بالكاد يكفيهم ذل الحاجة والسؤال.
هل يتم تجاهل إبداعات السوريين في بلدان اللجوء

فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية