أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

أغلقوا دونها باب بيتها!... أحمد عمر*

"الذئب والخراف السبعة " حكاية غربية شعبية، دوَّنها الأخَوان غريم، وصارت عالمية، ولها اسم ثان هو الخنازير الثلاثة، ولها اسم ثالث هو ليلى والذئب. ثبت لدينا بعد أن لها اسماً رابعاً هو سوريا والأسد، وخامساً هو مصر والسيسي..

بطل الحكايات الثلاث هو الذئب وإن تغيَّر لحم المائدة من الخروف إلى الخنزير مرّة، وإلى ليلى مرّة ثالثة، أو سوريا، أو مصر مرّة رابعة وخامسة، والبطولة ليست حسب الظهور في الفلم، وإنما حسب الظهور على الناس، والقهر والغلبة، وملخص الحكاية أنَّ شاةً تغدو من أجل الرزق في الغابة وتوصي عيالها بالحذر والحرص وإيصاد الباب إيصاداً محكماً، فعلم الذئب بخبر خروجها من خلال الفضائيات التي أعلنت خبر سعيها في "خبر عاجل"، وكان يمكن أن يفترسها، لكنَّه يحبُّ لحم الضأن، فأغار على بيتها من أجل الرزق أيضاً.

دقّ الباب كما يليق بذئب ماكر، لكن الخراف عملت بنصيحة الأم في الحجر من أجل السلامة، وسألته عن كلمة السرِّ، فقال الذئب للخراف في خطاب جمهوري إنه أمّهم وأبوهم، فضحكت من عوائه، والعواء ليس كالثغاء، وكان مليئاً بالأخطاء النحوية، واللحن، فقالت له الخراف: العب غيرها يا شاطر.

لعب الذئب غيرها، وكان شاطراً وماكراً، فأكل سكّر نبات، كما يفعل مطربو هذه الأيام، بل إنهم كفَّوا عن السكّر، بعد ظهور الهيب هوب، وتدرَّب على طريقة شعبان عبد الرحيم في الغناء، ودقَّ الباب وزعم أنه أمّهم، وقد تحوّل عواؤه إلى ثغاء، وصارت بصمة الصوت قريبة من بصمة صوت الأم، مثلما صارت بصمة صوت شعبان عبد الرحيم قريبة من صوت أم كلثوم، أو أنها بزّتها وسبقتها في فضائيات العرب المستعجمة، وإن شابت الصوت شوائب، لكن الخراف ارتابت وهي تتذكر وصية أمّها في الحذر، فسألته عن بصمة إبهام اليد، زيادة في الحرص، فمدَّ يده من تحت الباب، وظهرت براثنه، فقالت له الخراف الذكية بعد أن كشفت المؤامرة أن يلعب غيرها، فعاد الشاطر ليلعب غيرها، وقصد الفرن واشترى بعض الطحين، وكلُّ قمح مصر وطحينها من عند الذئب الأمريكي.

غمر الذئب براثنه الملطّخة بالدماء بالعجين، فكشطتْ عنها الدماء، وصارت مثل أظلاف الشياه. وكان الخبز أحد أهمّ خدع التنكر التي تخدع به الذئاب شعوبها. عاد إلى الخراف، فوجد الأم قد آبت من الغابة، ومعها باقة من البقلة، ووقفت أمام الباب، وجعلت تدقُّ والخراف تأبى فتحه:

الصوت صوتها..
والبصمة بصمتها.. والبيت بيتها..
والصوف صوفها..
والعيال عيالها..
مفتاح البيت معها لكن الباب موصود من الداخل.
سألوها أسئلة كثيرة، حققوا معها، عذبوها بالاستجوابات، فذكرت لهم ذكرياتها معهم:
أسماءهم..
وألعابهم..
وألقابهم..
وعدد رضعاتهم..
وحليبهم الحرام
والشامات التي على جسد كل واحد منهم..
وأغانيهم المفضلة وأحلى الأنغام
وطعامهم المفضل وعاداتهم والسلام.
ذكرت لهم طرائفهم التي يضحكون منها، والأمور التي تغضب كل واحد منهم..
لكنهم لم يفتحوا لها الباب، لأنَّ الفضائيات بثت خبراً عن نعجة مصابة بالكورونا، وخشيت الخراف أن تكون أمّهم.
ظلّت الأم تقرع الباب، بكل يد مضرجة، وقد سمعت عواء الذئب، وخافت على نفسها من الهلاك،
لكن الخراف أبت أن تفتح الباب.
وما لبثت أن سقطت الأم أمام الباب
ميتة من القهر.

*أديب وكاتب سوري - من كتاب زمان الوصل
(252)    هل أعجبتك المقالة (265)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي