مات عبد الحليم خدام الرجل الثاني في عهدي البعث الأول بحرسه القديم والثاني بداية تشكيل منظومة التعفيش والتشبيح، وهو موت لم يكن ينتظره أحد من السوريين كحدث ذي نتائج تهمهم، وكانوا في أغلبهم يرون فيه جزءًا من منظومة فاسدة قاتلة، وذات دور كبير مع حاشيته وأبنائه في إفقارهم وإذلالهم، وممسكاً بملفات الموت الموزع على الجيران وأحقادهم.
خدام ابن البعث البار الذي تنقل كأي بعثي في مناصب متعددة صالحة للاستثمار السياسي والمالي مقابل الولاء المطلق، وتحملّ وزر ملفات دموية أهمها ملف لبنان الذي فيما بعد صار لعنة السوري أينما كانت وجهته في البلد الشقيق الأصغر من هول الأفعال المرعية التي تم ارتكابها أو رعايتها هذا عدا عن ملف الرئاسة الذي يمر من مكتب ضابط الاستخبارات إلى مكتب خدام بدمشق.
الفساد الأعظم كان في دمشق حيث المناصب توزع بالمال والولاء، ولخدام وحاشيته حصتهم من أموال السوريين ودمائهم، وأولهم أولئك الذين كانوا يأكلون قمامة البلد، وأثاروا ذات يوم حزنه الذي اعتبر حينها انقلاباً في خطاب خدام، وإعلاناً عن انشقاق مضمر عن حزب البعث وسلطته الدموية.
أما حكاية النفايات النووية التي تم دفنها في الصحراء السورية فهي بحد ذات إثم لا تغفره عبارات الاعتذار واتهام أطراف في النظام مثل (أحمد عبود) بالقضية، وعلى الأقل كان صمت خدام ودرايته وأبنائه بهذه الجريمة أكبر من الجريمة التي ما زالت تتسبب حتى الآن بآلاف حالات السرطان من تدمر إلى كامل الشمال والشرق السوري.
كان خدام من أكبر المدافعين عن انفراد حزب البعث بالسلطة، ورفض أي شكل من أشكال التغيير السياسي في الحياة السياسية السورية، وهو الذي أعلن الحرب على إعلان دمشق عام 2001 في منبر جامعة دمشق عندما وصف دعوات الإصلاح السياسي بأنها (جزأرة) لسوريا، ويقصد تحويل سوريا إلى جزائر جديدة تأكلها نيران الحرب الأهلية.
خروج خدام من تحت سلطة الأسد، وسيل الاتهامات والاعترافات التي تلت هذا الانشقاق لم تكن ذات قيمة سياسية بالنسبة للسوريين، ولم تجعل منه لصاً منفرداً أخطأ وتاب، بل أنه زاد من غلواء حقدهم عليه خصوصاً بعد إعلانه من منفاه عن تأسيس جبهة الخلاص الوطني بالتوافق مع الإخوان المسلمين، وكان لدى جميع الوطنيين السوريين شعور بحنين خدام إلى السلطة الاستبدادية وسيدها الأسد الأب.
الإثم العظيم لعبد الحليم خدام.. ولدى شريحة خاصة من أبناء سوريا هو الذي يتعلق بالفدية المدفوعة لبقاء سلطة الأسد على سدة الحكم، والتخلي عن الجولان دون حرب، وبإعلان هزيمة إذاعية عندما كان محافظاً للقنيطرة بين عامي 1966-1977..تلك الضريبة التي كانت سبباً في تشريدهم الأول عن بيوتهم وبساتينهم، والذريعة التي حكمت خطاب النظام لنصف قرن وحتى اللحظة كمنافح عن العروبة، واستنزف بها خيرات البلاد من أجل استعادة الجولان.
لم يكن خدام مجرد لص منفرد سرق ونهب وحكم بل شريك كبير في منظومة فاسدة قاتلة.
خدام... لم يكن لصاً منفرداً*

*عبد الرزاق دياب - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية