خاض الشاب السوري "محمد العربي" (34 عاماً) تجربة مريرة بعدما قرر الهروب من الحرب في سوريا إلى المجهول معرّضاً حياته للخطر لينتهي به المطاف معتقلاً في سجن "مانويا" بمدينة "لارنكا" القبرصية منذ أكثر من 7 أشهر دون محاكمة أو تهمة معروفة رسمية، بعد أن ترك زوجته وأطفاله في الخارج يواجهون حياة ولغة ومجتمعا جديداً وكثيراً من التحديات المعيشية.
عام 2006 كان "محمد العربي" (اسم مستعار)، يدرس في جامعة تشرين باللاذقية اختصاص بيولوجيا علم الحياة، ولكنه لم يكمل بسبب ظروف خاصة، وبحكم أن والدته من أصول يونانية قرر أن ينتقل إلى قبرص اليونانية عام 2006، لمتابعة دراسته وبقي في قبرص إلى عام 2012، وبسبب الأزمة الاقتصادية التي ضربت قبرص اضطر إلى ترك الجامعة لينتقل بعدها إلى لبنان وعمل في شركة خاصة إلى أن بدأت حملات التضييق على السوريين في العمل، حاول السفر من لبنان إلى كندا عن طريق كفلاء كنديين بحكم وجود أهل زوجته هناك، ولكنه لم يستطع الحصول على حماية من لبنان كون اللاجئ في لبنان هو مجرد رقم فقرر منتصف العام الماضي 2019 السفر بحراً بطريقة غير شرعية مع عائلته المكونة من زوجته وطفلين أكبرهما في الرابعة من عمره وعدد من الأصدقاء والأقارب، ودفع -كما يروي لـ"زمان الوصل"- 1500 دولار تكاليف الرحلة.
ولفت محدثنا إلى أنه وجد نفسه أمام خيارين للخروج من لبنان إما إلى سوريا وهذا مستحيل لوجود مذكرات اعتقال بحقه وإما إلى قبرص، وهي أهون الشرين رغم أن هذا البلد -كما يقول- لم يكن يرحب باللاجئين، فاختار الهجرة إلى قبرص نظراً لاتقانه اللغة اليونانية ووجود معارف وأقارب هناك، ولكنه لم يكن يتخيل أن عدم ترحيبهم سيصل إلى مرحلة التشبيح واتهام اللاجئين ظلماً وعدواناً، حسب قوله.
بعد رحلة شاقة وخطرة استغرقت يوماً وليلة ومرت بكل الفصول من خلال ليلة ويوم من أمطار ورياح وحرارة شديدة وصل القارب إلى المياه الإقليمية القبرصية، فتم القبض على ركابه الـ 33 وتعرضوا -كما يؤكد- للإهانات الجسدية واللفظية، وبعد التحقيق الشديد تم نقلهم إلى كامب مؤقت يمكث فيه السوريون عادة لثلاثة أيام ويتم السماح لهم بعدها بايجاد سكن أو الذهاب إلى أقاربهم ومعارفهم.
وكشف المصدر أن الشرطة القبرصية حققت معه بصرامة وشدة وتم توجيه أسئلة عن الدين والصلاة وآرائه الدينية والجماعات المتشددة في سوريا، وتم اتهامه بشكل غير رسمي، بأنه يشكل خطراً على الأمن القومي القبرصي، غير أن أخطر هذه الاتهامات -كما يقول- هي تهمة الإتجار بالبشر الكفيلة بسجنه لسنوات.
وأضاف "من ذا الذي يضع زوجته وأطفاله وأحدهما في الرابعة من عمره وآخر في الشهر التاسع في قارب ليحصّل قليلاً من المال"، مؤكداً أن هذه التهمة لا أساس لها من الصحة بل وجهت له لكونه ساعد اللاجئين الذين كانوا معه على ذات المركب في الترجمة، رغم أنه كان مرهقاً ومتعباً للغاية.
واستدرك أن من تولوا قيادة "اللانش" كانوا أربعة أشخاص ممن يمتلكون خبرة في البحر وليس بينهم مهرب واحد، واستدرك أن المحققين القبارصة كانوا خلال مراحل التحقيق يوحون له بأنهم يعرفون عنه معلومات "خطيرة" لإرغامه على الاعتراف بما لم يقم به.
وأضاف المعتقل الشاب أن هذه الطريقة هي إحدى وسائل الدولة القبرصية لتخفيف عدد اللاجئين السوريين فهي تنتقي من بعض الرحلات التي تأتي إلى قبرص بعضَ الناس وتوزع عليهم تهماً بالمجان لردع الباقيين من القدوم فاللاجئ بنظرهم معتدٍ.

وأشار محدثنا إلى ما تقوم قوات فرونتكس (frontex) وهي الوكالة الأوروبية لمراقبة وحماية الحدود الخارجية بالتعاون من الشرطة القبرصية من تضييق على اللاجئين وإلصاق التهم بهم رغم ادعائهم بأن مهمتهم إنسانية ويهتمون بشؤون اللاجئين رغم أنها عبارة عن كتيبة تقارير للحكومات -حسب قوله- وتأكد له ذلك بعد أن التقاه مندوب من قوات "فرونتكس"، وطلب منه أسماء الناس الذين جهزوا المركب في لبنان وعندما قال له لا أعلم ولا يهمه الأمر والمهم أنه وصل مع عائلته بخير بعد رحلة شاقة أبدى امتعاضه، وأحس أنه أمام مساعد أول في مخابرات النظام.
بعد هذا اللقاء بساعتين اعتقل "محمد" من المخيم ليحقق معه من جديد وفي التحقيق كانت هناك أسئلة جاهزة ومدونة على الحاسوب الشخصي أغلبها عن الدين، ولكنه فوجئ كما يقول بأنهم يقولون إن هناك صوراً له وهو يقف بجانب مقود المركب وهو اتهام لا أساس له من الصحة، إذ كان مستلقياً على ظهر المركب محتضنا أطفاله عند وصول خفر السواحل، لأنه كان يعاني من دوار البحر، وطلب منه أحد الركاب الترجمة لأنه يتحدث اليونانية، والأغرب من ذلك –حسب المصدر- أن من جاؤوا لاعتقاله قالوا له بأنهم وجدوا اسمه على لوائح الأنتربول رغم أنه لم يذهب في حياته إلا إلى قبرص ولبنان وبلده سوريا.
وأحضرت المحامية لهم ورقة لا حكم عليه من لبنان، وأعاد "محمد"، ما سبق أن أفاد به أثناء التحقيقات قائلاً: "كنا في طريقنا إلى قبرص من أجل أن نكمل حياتنا، والآن نفاجأ بعد اعتقالنا بأنكم تكتبون على لساننا ما يحلو لكم، ومع ذلك أنتم منزعجون لأننا نتكلم بصراحة عما جرى".
وبحسب البيانات المتوفرة فإن عدد المهاجرين الذين وصلوا إلى قبرص، وتقدموا بطلبات لجوء في الفترة بين كانون الثاني/يناير وحزيران/يونيو/2019 بلغ نحو 7 آلاف، وزاد عدد الطلبات التي لم يتم النظر فيها بعد إلى 15 ألف طلب، إلا أن قبرص الواقعة على بعد 160 كلم من الساحل السوري، لم تشهد تدفقاً هائلاً للاجئين مثل تركيا واليونان.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية