أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

تسونامي كورونا... حسين الزعبي*

من ريف إدلب - جيتي

مخيفة هي التصورات التي ينتجها الخيال عن التداعيات المحتملة لاستمرار الأزمة التي ‏يعيشها العالم في حربه مع القاتل الخفي كورونا، يزيد من قتامتها تصريحات قادة الدول ‏الكبرى، وجميعها تشير إلى أنها لم تبلغ ذروتها بعد.

هذا الكلام ينسجم مع التسارع في ‏تضاعف أرقام الإصابات وارتفاع عدد الوفيات، في دول العالم الأول الذي تتميز أرقام ‏المحنة لديه بنسبة عالية من الشفافية.

التصورات السوداء، لن تبقى مجرد تصورات، بل ستتحول إلى كارثة حقيقية غير مسبوقة ‏‏– لا قدر الله- لو أن هذا الوباء انفجر في الدول ذات الكثافة السكانية العالية التي تفتقر ‏للشفافية، وبناها الصحية متداعية، وعموم الوعي المجتمعي فيها متدنٍ، وهذه الكارثة إن ‏وقعت فإننا سنكون أمام ضحايا قد تصل أعدادهم إلى الملايين إن لم يكن عشرات الملايين، ‏مثلما توقع أحد المسؤولين الهنود بأن بلاده ستشهد "تسونامي كورونا" يصيب نحو 300 ‏مليون إنسان، وهذا يعني وفق الأرقام الحالية التي تتجاوز فيها نسبة الوفيات لعدد ‏الإصابات في العموم 4 بالمئة، هذا يعني أننا سنكون أمام عشرات الملايين من الضحايا، ‏وما قد يحدث في الهند، كما حذر المسؤول، قد يحدث في بلدان أخرى في منطقتنا لديها ‏من الشروط المادية لسيناريو البلاء أكثر بكثير مما لدى الهند. ‏ هذا السيناريو لم يعد مجرد طروحات سوداوية، وخيالا علميا، أو فيلما سينمائيا، بل حقيقة ‏ماثلة أمامنا نعيشها ونحن نرقب (عداد) الموتى وهو يرتفع كل ساعة.

بالمقابل فإن احتمال الخروج من هذه الأزمة غير المسبوقة، أمرا ممكنا، باكتشاف دواء أو ‏لقاح خلال شهرين أو ثلاثة شهور، وقد يطول إلى الخريف كما صرحت أكثر من جهة ‏علمية، هذه الشهور المتبقية، وما سبقها، لا شك أنها ستترك ندوبها على وجه البشرية، ‏وربما ستضع سكان هذا الكوكب بما فيهم القادة أمام آليات تفكير جديدة لإدارة هذه الحياة، ‏او هكذا يفترض، والسنن التاريخية تؤكد ذلك، فالحروب الكبرى كانت تنتهي بتحولات ‏كبرى، ليست خيرة بالضرورة، فالحرب العالمية الاولى أوجدت خرائط جديدة للعالم ‏وأنهت امبراطوريات وجاءت بأخرى، ومثلها الحرب العالمية الثانية بما أحدثته من ثورة ‏علمية ونمط جديد من التحالفات العسكرية والتكتلات الاقتصادية والدخول في شكل جديد ‏من أشكال الحروب "الحرب الباردة".‏

الآن يعيش العالم حالة جديدة سيكون لها ما بعدها، من إعادة التفكير في البنى الفكرية ‏السياسية سواء باتجاه الاستمرار نحو المزيد من الحالة "العولمية" أو العكس والعودة إلى ‏الحدود الوطنية، وقد تكون التحالفات السياسية والاقتصادية القائمة حاليا على وشك ‏الانهيار استعدادا لتحالفات جديدة بدأ كورونا بوضعها تحت المجهر.

التجارب السابقة للبشرية والتي كانت تحدث تحولات جوهرية تقود العالم لمرحلة أخرى ‏من الجشع الإنساني، ليس بالضرورة هذه المرة أن تتكرر، (لجهة الانتقال لما هو أسوأ) ‏لاسيما وأن البشرية ما عادت غائبة كما كانت من قبل عن معرفة ما يدور في أروقة ‏أصحاب القرار، الذين يفترض أن هذه الأزمة ستغير أولوياتهم بعد أن وجدوا أن ما كدّسوه ‏من أسلحة وما حاكوه من مؤامرات على بعضهم، هي أضعف من تواجه فيروس، هذا إن ‏استبعدنا نظرية المؤامرة نفسها عن أزمة كورونا.‏

كورونا أزمة عابرة للقارات والأنظمة والشعوب، أزمة غير عابئة بالساسة، ولا بالمجتمع ‏وبطبقاته، ولا بالفلسفات والإيديولوجيات، إلا أنها بلا شك ستحدث تغييرا بكل ما سبق..‏

*من كتاب "زمان الوصل"
(207)    هل أعجبتك المقالة (217)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي