مخيفة هي التصورات التي ينتجها الخيال عن التداعيات المحتملة لاستمرار الأزمة التي يعيشها العالم في حربه مع القاتل الخفي كورونا، يزيد من قتامتها تصريحات قادة الدول الكبرى، وجميعها تشير إلى أنها لم تبلغ ذروتها بعد.
هذا الكلام ينسجم مع التسارع في تضاعف أرقام الإصابات وارتفاع عدد الوفيات، في دول العالم الأول الذي تتميز أرقام المحنة لديه بنسبة عالية من الشفافية.
التصورات السوداء، لن تبقى مجرد تصورات، بل ستتحول إلى كارثة حقيقية غير مسبوقة – لا قدر الله- لو أن هذا الوباء انفجر في الدول ذات الكثافة السكانية العالية التي تفتقر للشفافية، وبناها الصحية متداعية، وعموم الوعي المجتمعي فيها متدنٍ، وهذه الكارثة إن وقعت فإننا سنكون أمام ضحايا قد تصل أعدادهم إلى الملايين إن لم يكن عشرات الملايين، مثلما توقع أحد المسؤولين الهنود بأن بلاده ستشهد "تسونامي كورونا" يصيب نحو 300 مليون إنسان، وهذا يعني وفق الأرقام الحالية التي تتجاوز فيها نسبة الوفيات لعدد الإصابات في العموم 4 بالمئة، هذا يعني أننا سنكون أمام عشرات الملايين من الضحايا، وما قد يحدث في الهند، كما حذر المسؤول، قد يحدث في بلدان أخرى في منطقتنا لديها من الشروط المادية لسيناريو البلاء أكثر بكثير مما لدى الهند. هذا السيناريو لم يعد مجرد طروحات سوداوية، وخيالا علميا، أو فيلما سينمائيا، بل حقيقة ماثلة أمامنا نعيشها ونحن نرقب (عداد) الموتى وهو يرتفع كل ساعة.
بالمقابل فإن احتمال الخروج من هذه الأزمة غير المسبوقة، أمرا ممكنا، باكتشاف دواء أو لقاح خلال شهرين أو ثلاثة شهور، وقد يطول إلى الخريف كما صرحت أكثر من جهة علمية، هذه الشهور المتبقية، وما سبقها، لا شك أنها ستترك ندوبها على وجه البشرية، وربما ستضع سكان هذا الكوكب بما فيهم القادة أمام آليات تفكير جديدة لإدارة هذه الحياة، او هكذا يفترض، والسنن التاريخية تؤكد ذلك، فالحروب الكبرى كانت تنتهي بتحولات كبرى، ليست خيرة بالضرورة، فالحرب العالمية الاولى أوجدت خرائط جديدة للعالم وأنهت امبراطوريات وجاءت بأخرى، ومثلها الحرب العالمية الثانية بما أحدثته من ثورة علمية ونمط جديد من التحالفات العسكرية والتكتلات الاقتصادية والدخول في شكل جديد من أشكال الحروب "الحرب الباردة".
الآن يعيش العالم حالة جديدة سيكون لها ما بعدها، من إعادة التفكير في البنى الفكرية السياسية سواء باتجاه الاستمرار نحو المزيد من الحالة "العولمية" أو العكس والعودة إلى الحدود الوطنية، وقد تكون التحالفات السياسية والاقتصادية القائمة حاليا على وشك الانهيار استعدادا لتحالفات جديدة بدأ كورونا بوضعها تحت المجهر.
التجارب السابقة للبشرية والتي كانت تحدث تحولات جوهرية تقود العالم لمرحلة أخرى من الجشع الإنساني، ليس بالضرورة هذه المرة أن تتكرر، (لجهة الانتقال لما هو أسوأ) لاسيما وأن البشرية ما عادت غائبة كما كانت من قبل عن معرفة ما يدور في أروقة أصحاب القرار، الذين يفترض أن هذه الأزمة ستغير أولوياتهم بعد أن وجدوا أن ما كدّسوه من أسلحة وما حاكوه من مؤامرات على بعضهم، هي أضعف من تواجه فيروس، هذا إن استبعدنا نظرية المؤامرة نفسها عن أزمة كورونا.
كورونا أزمة عابرة للقارات والأنظمة والشعوب، أزمة غير عابئة بالساسة، ولا بالمجتمع وبطبقاته، ولا بالفلسفات والإيديولوجيات، إلا أنها بلا شك ستحدث تغييرا بكل ما سبق..
تسونامي كورونا... حسين الزعبي*

*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية