معاذ الخطيب: بلا زجاجة وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا.. أحمد عمر*

طالب الرئيس السابق للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية يوم الجمعة الماضي، رأس النظام السوري بشار الأسد بالاستقالة، في مبادرة جديدة للمّ شمل السوريين، ودعا إلى إنشاء مجلس رئاسي توافقي من النظام والمعارضة، يتألف من ستة أشخاص، بمن فيهم بشار الأسد، من أجل نقل صلاحياته للمجلس خلال عام كامل. مهمته إطلاق سراح المعتقلين، والعفو عن كل المطلوبين سياسياً، وفتح الحدود لكل المهاجرين الذين يريدون العودة مع توفير الضمانات، والتمهيد لانتخابات محلية ثم برلمانية حقيقية، على أن تجري هذه الخطوات خلال عام، تضمن انتقال صلاحيات رئيس النظام إلى المجلس الرئاسي ليخرج منه في نهاية السنة.
السوري، وقد مات الآباء والمعلمون، صعبٌ، وعنيدٌ، يحبُّ الجدل والمعارضة، وينتقد كل شيء. تقول له نملة، فيقول احلبها. كل سوري هو إما زعيم خسر ملكه، أو مفكر لم يكتب نظريته، أو شيخ لا يضع عمامة، ومعظم السوريين يفتون، حتى إني رأيت سوريين من غير المسلمين يفتون في الفقه الإسلامي ويحللون ويحرمون!
نال معاذ الخطيب أذىً كثيرا، ومن ذلك التعريض به بصورة له مع قيادية سورية موالية تلعب أدواراً في المعارضة، والمرء يظهر في صور مع الصالح والطالح.
ووُصفت خطبَهُ هجاءً بأنها خطب جمعة، حتى إن بعض الإسلاميين يصفونها كذلك، وهذا هو قدر من يعمل في شؤون العامة. يقول ابن حزم الأندلسي: من تصدّرَ لخدمه العامة، فلا بد أن يتصدق ببعضٍ من عرضه على الناس، لأنه لا محالة مشتوم، حتى وإن واصل الليل بالنهار.
الرجل يحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه، فما زال هناك أحياء في السجون، أو أموات على قيد الحياة، وهو يطمع أو يطمح في تحريرهم، وهو رجل ليس لديه دبابات ولا صواريخ، الدولة العربية الوحيدة التي مالت إليه سكتت، فالأحوال تغيرت، وكان شجاعاً، فلم أسمع معارضاً سورياً آخر يوجه ذلك الخطاب الجريء إلى قادة العالم العربي.
في مؤتمر بالدوحة سنة 2013 عندما ذكّر بعمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد أوقفته امرأة في الطريق، فقالت له اتّق الله يا عمر، فقالوا لها: أتقولين هذا لأمير المؤمنين؟ فقال: دعوها فلا خير فيكم إن لم تقولوها، ولا خير فينا إن لم نسمعها، وأنا أقول لكم بصفتي أصغر إخوتكم: اتّقوا الله في شعوبكم، وحصّنوا بلادكم بالعدل والإنصاف".
الخطيب ليس الأول، وبالأمس القريب قصد مسعود البرزاني صدام حسين بعد حلبجة، وبعد الأنفال وقال له: جئتُك على بحر من الدم، فالسياسية هي فنُّ الممكن لطلب المستحيل.
والخميني قبله اعترف بأنه اضطر إلى تجرّع كأس السم، وقد أثنى برهان غليون مشكوراً على المبادرة، وحمدها، وتلك أيضاً شجاعة، نحن ندرك أن الخطيب الحسني ينفخ في قربة مقطوعة، ويطبخ طبخة بحص، ويتجرع السمّ، ونعلم أن الأسد كان موظفاً لدى سادته، وصار عبداً، لكن معاذ الخطيب ما زال قادراً على النفخ وفيه عرق ينبض، وفي يده فسيلة، وهو يحاول غرسها، ونعلم أن الحائط امتلأ بآلاف الثقوب ثم تهدّم ـ وهو يريد أن يرميه بالطينة، لن تلصق، لكنه سيرميها، وهو يشعل هذه الشمعة، ليس للأسد، فهي لنا وللموالين، حتى يعلموا أننا أحياء، وأن لدينا مبادرات، وفي أنفسنا فسحة للعفو والصفح.
يريد الشعب قفزة واسعة، ويريد النظام الثبات المطلق. لا قفزة من غير جسر، ومبادرة الخطيب هي الجسر الشَعري بين الجنة الدنيوية السورية وجحيمها.
أرسل معاذ رسالته، ووراءه علم الثورة، من غير زجاجة كالتي وراء يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا، مع معاذ هذه المرّة لاعب جديد، خارق القوة، أشد فتكاً من الأسلحة النووية على الساحة السورية والعالمية هو الكورونا.
إن الخطيب في كلمته يذكّرنا بالحسن وهو إليه ينتسب، قال الرسول عليه الصلاة والسلام: إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين، ومازال هناك رجل في سورية يأمل بأن يصل الله به أو بغيره بين فئتين من السوريين.
*قاص وكاتب سوري - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية