أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

ملاحظة في الذكرى التاسعة للثورة.. فؤاد حميرة*

تمر الذكرى التاسعة للثورة – كالعادة – عاصفة من الشعارات الممجوجة والمكلومة بالاجترار وتكرار المقولات ذاتها دون تغيير حتى في طريقة صف الكلمات، وكأن هذه الشعارات تفريغ للقهر المستتر في صدور الكثيرين من الذين وجدوا أنفسهم وحيدين في مواجهة قوى عالمية تآمرت على حق السوريين في العيش بكرامة في دولة العدالة والمساواة، ولكن المرحلة تتطلب ما هو أبعد وأعمق من الشعارات..المرحلة تحتاج للنقد والتصويب.

لماذا النقد؟
يحمل النقد طابعا تنويريا ويميل بطبيعته إلى تصويب ما يراه الناقد خطأ ما في مكان ما، لكن الذي يحدث مع جمهور ثورتنا هو أن الموقف لا يشجع على النقد فالأغلبية تنظر إلى أية بادرة نقدية نظرة ارتياب وتشكيك، ويرى البعض في الناقد شخصا خارجا عن الثورة، ومبعث ذلك هو الخوف وعدم الثقة فكإن النقد يسحب من الثورة مشروعيتها في نظر البعض وهذا مستحيل طبعا، فالثورة  نالت مشروعيتها قبل أن تبدأ أصلا ولا يشكك أحد في حاجة البلاد إلى الثورة قبل اندلاعها حتى، ولكن الخوف المبالغ به على الثورة ومسيرتها يدفع البعض للتشكيك في نوايا التنوير ومحاولات الإصلاح ويعتبرها تآمرا على الثورة في حين أن التآمر يجري طبخه في أماكن أخرى، منها وبالتأكيد منع وقمع أية محاولة نقدية.

لقد أفرزت الثورة عبر سنواتها التسع الماضية جمهورها الذي لم يعد يحتمل التشكيك فيه وبولائه للثورة وأعتقد أن مسألة فلانا مع أو ضد باتت خلفنا، المشكلة هنا لم تعد في هذه المعادلة، ولم يعد السؤال الملح هنا: ماذا يقدم فلان للثورة؟ بل يتعداه إلى السؤال الأهم وهو برأيي: هل ما يقدمه فلان يخدم الثورة؟ من هنا تنبع أهمية النقد ومن هنا ينبغي التركيز على دور النقد في التصويب والتنوير للخروج من قمقم التقليد الأعمى والترديد الببغاوي لمواقف وشعارات لا تسمن ولا تغني عن جوع، فمن الضروري أن يتواجد النقد في محيطه الثوري، ولا أقصد هنا النقد عبر المنشورات الفيسبوكية السريعة والاستهلاكية وإنما النقد المدروس والهادئ والقائم على إدراك واع لضرورة الممارسة النقدية وأنه لا بد من السماح بنمو تيارات نقدية جديدة كي لا نسجن أنفسنا في غياهب التكرار والاجترار ومن ثم التحول إلى البكاء على الأطلال.

علينا أن نتقبل فكرة أن لا شيء في الثورة لا يمكن الاعتراض عليه ونقده، هذه الفكرة يجب أن تنمو باستمرار لأن في داخلها تنبت براعم التصويب، أما التهجم على النقد واعتباره تآمرا على الثورة فإنه لن يكون إلا في خدمة أعداء الثورة، علينا أن نتقبل بعد سنوات تسع مريرة، فكرة النقد وقبوله دون التشكيك في شخص الناقد وأهدافه ونواياه فكما ذكرنا سابقا، باتت مسألة التشكيك فيمن مع ومن ضد خلفنا بكثير من السنوات، علينا التهيؤ لاستخدام أسلحة نقدية أكثر فعالية وعلينا تقبل هذه الأسلحة أو على الأقل مناقشتها بروية وبروح محاولة الفهم والرد على النقد بنقد مشابه لا اللجوء إلى أسهل الطرق وأقصد هنا طريق التشكيك والتخوين بكل من قال رأيا مخالفا في هذا الحدث أو ذلك الشخص.

إن رفضنا للرأي المخالف أو التشكيك به يحولنا إلى ما يشبه شبيحة النظام الذين يرون في كل رأي مخالف خيانة وطنية، وأعتقد أننا أبعد ما يكون عن ذلك التشبيه أو أننا يجب أن نكون كذلك.

لا أنكر أهمية بعض الأصوات الناقدة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن في الوقت ذاته أود أن أشير إلى الهجوم الذي تتعرض له تلك الأصوات ولعل معظمنا يلاحظ كيف يُرمى بالتاريخ الثوري إلى شخص ما لمجرد أنه خالف المألوف وفكر خارج الصحن، وقرر ولو لمرة أن يخرج عن تفكير القطيع. لسنا قطيعا ولا يجب أن نكون، نحن أصحاب حق، ولا ننكر هذا الحق على غيرنا من جمهور الثورة وأرى أننا في أمس الحاجة الآن إلى مقولة "رولان بارت" (قليل من المعرفة وكثير من الحكمة)

عاشت ثورتنا؟

بل ستعيش ثورتنا.

*من كتاب "زمان الوصل"
(169)    هل أعجبتك المقالة (183)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي