في مثل هذه الأيام من كل عام يسترجع السوريون الأيام الأولى لثورتهم، مؤكدين، بالعبارات نفسها، وربما بالصور نفسها كذلك، استمرار الثورة، وعندما أقول "السوريون" أقصد بهم هؤلاء ممن أشاهد وأقرأ كلماتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وهم في غالبيتهم العظمى ممن يقيمون في دول اللجوء، وإن أردت التحديد أكثر، ممن يقيمون في أوروبا وكندا بالدرجة الأولى ثم في تركيا ويأتي ثالثا أولئك الذين يقيمون في الدول العربية.
خلال عام، أي منذ الذكرى السابقة لانطلاقة الثورة ولغاية اليوم لا شيء تغير في واقعهم، وهو واقع علاقته بالثورة الحقيقة لا تعدو أن تكون، في العموم، علاقة افتراضية، لا نجد فيها من التغيير نحو الأمام، سوى تغيير البروفايل، الذي هو الآخر يشبه سابقه، اللهم مع تغيير الرقم، رقم سنوات الثورة، بالإضافة لبضعة منشورات تؤكد، كما أسلفت، على استمرار الثورة، وهي في مجملها إن أردنا ألا نغمض أعيننا عن الحقيقة ونكتفي بحشو بطوننا بالخواء، هي كلمات جوفاء تشبه تلك المنشورات التي تتحدث عن ذكريات الطفولة والعلاقة مع المكان الذي كان يوما ما وطنا لملايين المهاجرين والمهجرين، نعم هي كذلك ما دامت لا ترتبط بفعل (ثوري) حقيقي بوصلته أهداف الثورة..
استمرار الثورة كل هذه السنوات رغم كل ما حيك ويحاك لها، هو مؤشر لقوة الضرورة التي أوجدتها، وليس (لنضالاتنا في العالم الافتراضي)، كما أن هذا الاستمرار يمكن اعتباره من زاوية أخرى مؤشر لفشلنا جميعا في أن نصل بها إلى مبتغاها، ولعل من الشجاعة أن نعترف بذلك، فمن السهولة أن نطرح ألف سبب وندبج ألف مبرر لهذا الفشل، ولكنها جميعا لا تلغي حقيقة وجوده، كما أن هذا الفشل يبدو ذريعا عندما يتم تعليقه على الائتلاف أو غيره من الهياكل الصدئة، والتي لا تمنع أن يشكل الآخرون وأولهم المنتقدون بدائل حية لها. بعيدا عن جلد الذات، أرى في الاحتفال بذكرى الثورة من دون الانبراء للعمل الحقيقي هو احتفال في استمرار مأساة من يدفعون الأثمان الحقيقية على الأرض جوعا وقهرا ومرضا.
الاحتفال من دون المبادرة للفعل وتقديم العام على الخاص هو رقص على أوجاع الناس وعذاباتهم، حاله كحال من يقتات على فتات مائدة الثورة الممزوجة بدماء من رحلوا وفقدوا أحبتهم وتلاشت أحلامهم.. منذ أربعة سنوات وربما أكثر، فشلنا جميعا في إنجاز جسم أو مؤسسة أو هيئة أو تجمع يحمل راية هذه الثورة، وإن حصل وبادر البعض، سرعان ما يتلاشى الموضوع من كثرة المتنطعين والمدعين والباحثين عن مناصب حينا، وجراء مقصلة التخوين والأنانية والمناطقية وغيرها من العلل في أحايين أخرى، دون أن ننسى الذين تركوا كل شيء وراحوا يبحثون عن مشاريع يصلح فيها المثل العراقي "عرب وين طنبورة وين".
ربما ما نحتاجه في هذه الآونة، بعد دقيقة صمت يتلوا السوريون خلالها ما تيسر من كتبهم السماوية لأرواح من رحلوا في المذبحة المستمرة، فترة صمت لمراجعة الذات ومحاسبة النفس، وتقديم من يستحق إلى حيث المكان الذي يستحق والتوقف عن التنطع والمتاجرة.. عندها فقط تكون الثورة فعلا مستمرا وليست مجرد منشور على "فيسبوك".
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية