أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الثورة ليست مستمرة.. حسين الزعبي*

من مظاهرات درعا - أرشيف

في مثل هذه الأيام من كل عام يسترجع السوريون الأيام الأولى لثورتهم، مؤكدين، بالعبارات نفسها، وربما بالصور ‏نفسها كذلك، استمرار الثورة، وعندما أقول "السوريون" أقصد بهم هؤلاء ممن أشاهد وأقرأ كلماتهم على مواقع التواصل ‏الاجتماعي، وهم في غالبيتهم العظمى ممن يقيمون في دول اللجوء، وإن أردت التحديد أكثر، ممن يقيمون في أوروبا ‏وكندا بالدرجة الأولى ثم في تركيا ويأتي ثالثا أولئك الذين يقيمون في الدول العربية.‏

خلال عام، أي منذ الذكرى السابقة لانطلاقة الثورة ولغاية اليوم لا شيء تغير في واقعهم، وهو واقع علاقته بالثورة ‏الحقيقة لا تعدو أن تكون، في العموم، علاقة افتراضية، لا نجد فيها من التغيير نحو الأمام، سوى تغيير البروفايل، الذي ‏هو الآخر يشبه سابقه، اللهم مع تغيير الرقم، رقم سنوات الثورة، بالإضافة لبضعة منشورات تؤكد، كما أسلفت، على ‏استمرار الثورة، وهي في مجملها إن أردنا ألا نغمض أعيننا عن الحقيقة ونكتفي بحشو بطوننا بالخواء، هي كلمات ‏جوفاء تشبه تلك المنشورات التي تتحدث عن ذكريات الطفولة والعلاقة مع المكان الذي كان يوما ما وطنا لملايين ‏المهاجرين والمهجرين، نعم هي كذلك ما دامت لا ترتبط بفعل (ثوري) حقيقي بوصلته أهداف الثورة..‏

استمرار الثورة كل هذه السنوات رغم كل ما حيك ويحاك لها، هو مؤشر لقوة الضرورة التي أوجدتها، وليس (لنضالاتنا ‏في العالم الافتراضي)، كما أن هذا الاستمرار يمكن اعتباره من زاوية أخرى مؤشر لفشلنا جميعا في أن نصل بها إلى ‏مبتغاها، ولعل من الشجاعة أن نعترف بذلك، فمن السهولة أن نطرح ألف سبب وندبج ألف مبرر لهذا الفشل، ولكنها ‏جميعا لا تلغي حقيقة وجوده، كما أن هذا الفشل يبدو ذريعا عندما يتم تعليقه على الائتلاف أو غيره من الهياكل الصدئة، ‏والتي لا تمنع أن يشكل الآخرون وأولهم المنتقدون بدائل حية لها.‏ بعيدا عن جلد الذات، أرى في الاحتفال بذكرى الثورة من دون الانبراء للعمل الحقيقي هو احتفال في استمرار مأساة من ‏يدفعون الأثمان الحقيقية على الأرض جوعا وقهرا ومرضا.

الاحتفال من دون المبادرة للفعل وتقديم العام على الخاص ‏هو رقص على أوجاع الناس وعذاباتهم، حاله كحال من يقتات على فتات مائدة الثورة الممزوجة بدماء من رحلوا وفقدوا ‏أحبتهم وتلاشت أحلامهم..‏ منذ أربعة سنوات وربما أكثر، فشلنا جميعا في إنجاز جسم أو مؤسسة أو هيئة أو تجمع يحمل راية هذه الثورة، وإن ‏حصل وبادر البعض، سرعان ما يتلاشى الموضوع من كثرة المتنطعين والمدعين والباحثين عن مناصب حينا، وجراء ‏مقصلة التخوين والأنانية والمناطقية وغيرها من العلل في أحايين أخرى، دون أن ننسى الذين تركوا كل شيء وراحوا ‏يبحثون عن مشاريع يصلح فيها المثل العراقي "عرب وين طنبورة وين".‏

ربما ما نحتاجه في هذه الآونة، بعد دقيقة صمت يتلوا السوريون خلالها ما تيسر من كتبهم السماوية لأرواح من رحلوا ‏في المذبحة المستمرة، فترة صمت لمراجعة الذات ومحاسبة النفس، وتقديم من يستحق إلى حيث المكان الذي يستحق ‏والتوقف عن التنطع والمتاجرة.. عندها فقط تكون الثورة فعلا مستمرا وليست مجرد منشور على "فيسبوك".

*من كتاب "زمان الوصل"
(285)    هل أعجبتك المقالة (265)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي