هل هي حقاً خطوة غير مسبوقة قام بها بشار الأسد من داخل حزب البعث، وحركة تصحيحية جديدة تأخذ الحزب إلى مسارات جديدة تؤهله للعودة إلى الحياة السياسية السورية إن وجدت، أم أنها مجرد حركة صبيانية الغاية منها إظهار الأسد كغير راضٍ عن أداء البعثيين، وتسميته كصانع للبعث بصورته المختلفة عن ذاك الذي تعرّف إليه السوريون في حلقات الاجتماعات المسائية؟. إحدى الصحف الموالية عنونت (الأسد يضرب بيد من حديد..ويجمد قرارات بعثية شابتها تجاوزات)، وتحدثت عن قرار اتخذته القيادة المركزية للحزب بتجميد تشكيلات قيادة الفروع والشعب الحزبية الأخيرة جميعها وإعادة تشكيلها بصورة أكثر دقة.
القرار الذي نشرته - صفحة القيادة المركزية للحزب- جاء بعد عدد كبير من الاعتراضات التي وصلت إليها، ولكن مصادر أخرى مطلعة تحدثت حسب الصحيفة عن وصول الاعتراضات إلى الأمين العام (بشار الأسد) مع الوثائق عن تجاوزات في تشكيلات الأخيرة للفروع والشعب، وهو ما استدعى قرارالتجميد، وهذا يعني إعادة الفضل للأسد في هذه الخطوة غير المسبوقة. الأمر الأهم أن التوجيهات لبعض الأبواق قد أثمرت بمقالات خاصة عن قيمة هذا القرار، والقول بأن البعث سيتغير، وأن ما حصل هو درس للجميع، وينص على أن زمن التجاوزات في تعيين المقربين من المخابرات كما تجري العادة قد ولى، وكذلك التمثيل وفق التوزع الطائفي والمناطقي لم يعد قائماً في قلب عقيدة البعث، وأن رضا الناس هو الفيصل كما جاء في مقال يمجد خطوة التجميد. بوق آخر ذهب إلى لفت النظر إلى الحدث الأهم، وهو الانتخابات التشريعية التي ستجرى في نيسان المقبل، وأن ما جرى حالياً هو مجرد بروفة في أن من سيختاره الناس هو من سيصل، وكتب بالحرف (حزب البعث يريد أن يقول إن قيادييه يجب وينبغي ولا يجوز إلا أن يكونوا على التصاق مع الناس وأن تكون مدى شعبيتهم وقبولهم عند الناس هو المعيار الأكثر اعتمادا للحزب في المرحلة القادمة).
كل هذا النفاق السابق لا يقدم ولا يؤخر في وجهة نظر السوريين إلى الحزب العملاق الذي أعلنت وفاته منذ أن تولاه آل الأسد ومخابراتهم، وتم الزج بقياداته في السجون أو تمت تصفيتهم، وأن ما عاصروه منذ تلك اللحظة هو حزب شمولي طائفي حاقد، واعتمد في انتقاء كوادره على أسوأ السوريين الذين لا يؤمنون بالآخر، ويعتبرونه خائناً وصهيونياً إن خالفهم، وإخوانياُ وشيوعياً إن همس برأي غير ذاك الذي يتفوه به الأب القائد.
جرب السوريون مع حزب البعث كيف يكونوا نسخة واحدة عن مواطن مقموع ومذعور، ورددوا سوية أمثال الذعر عن الحيطان التي لها آذان، وعن الأرجل التي حق لها في تجاوز مساحة الفراش (على قد فراشك مد رجليك)، والعين التي لا تقاوم المخرز.
محاولة بعث حزب البعث من قبره الأبدي ستبوء بالفشل، وانتشاله من أعماق وحشته لن تضيء له طريق العودة إلى ضمير السوريين الذين طردوه منذ تلك اللحظة التاريخية التي انقلبوا فيها على كل ذاكرتهم المطبوعة بهتافات الصباح عن الرسالة الخالدة وكذبة القومية العربية الكبرى، والصراع مع إسرائيل، والاشتراكية التي صنعت الحيتان اللصوص وأفقرتهم.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية