أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

عودة الإنسان.. حسين الزعبي*

الصوت الأكثر صخبا، خلال الشهرين الفائتين، كان للكائن غير المرئي "كورونا" - جيتي

لهذا العام ما بعده، هي بدايته، فحسب، التي تؤكد ذلك، فإن كان قد بدأ سياسيا بصفقة القرن المتعلقة بالقضية السياسية الأكثر ‏تأثيرا، فهو أيضا بدأ بنجاة عراب الصفقة دونالد ترامب بعد أن كان قاب قوسين أو أدنى من العزل، مع إشارات إلى أن ‏الرجل بطريقه للفوز بفترة رئاسية ثانية، ولاشك أنه سيكون خلالها أكثر حرية في العبث بهذا العالم اقتصاديا وسياسيا، إذ يكفيه ‏تغريدة ليرفع عملة ويخفض أخرى.‏

وما أن انتهى الشهر الثاني من السنة حتى تحول الشمال السوري إلى ساحة كادت تكون "محراك" لحرب لا تبقي ولا تذر، ‏وإن كان ما أنجز من اتفاق قد فرض شيئا من الهدوء النسبي، إلا ‏أن‏ عوامل التفجير وعودة الأمور لما كانت عليه، وربما إلى ‏ما هو أكثر خطورة مازالت قائمة، لاسيما بعد تسريبات الإعلام الروسي التي تقصدت الإساءة للرئيس التركي، وهي بشكل أو ‏بآخر تؤكد أن وراء الأكمة ما وراءها بين عدوين أزليين فرض عليهما الظرف السياسي تحالفا لن يطول، هذا فضلا عن ‏خروقات الاتفاق على الأرض.‏ أوروبا، ليست هي الأخرى بأحسن حالاتها، إذ ثبت هذا العام، رسميا، خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الذي جهد ‏الأوروبيون لإيصاله لما وصل عليه، بعد بحور من الدماء.

ليس هذا فحسب بل إن نزعة اليمين المتطرف باتت مع مطلع هذا ‏العام من الوضوح ما يجعل السلوكيات المتطرفة أكثر علنية وصراحة وربما وقاحة من أي وقت مضى، بل إن من ‏الأوروبيين من يرى أن التفاعلات السياسية الحاصلة هي نسخة مشابهة للاستقطاب القومي اليميني الذي ساد سنوات ما قبل ‏الحرب العالمية الثانية.‏

لكن الصوت الأكثر صخبا، خلال الشهرين الفائتين، كان للكائن غير المرئي "كورونا"، الذي أصاب التنين الصيني بالرعب ‏وضرب ماكينته الاقتصادية قبل أن ينتقل إلى خارجها ويبث حالة من الرعب، أعادت إلى الأذهان ما أوردته النصوص الدينية ‏عن هلاك الأقوام، ومثلها الأساطير، وكذا ما أنتجه الخيال السينمائي من أفلام عن نهاية العالم.‏

وقد لا يندرج ضمن سياق التشاؤم والتفاؤل، القول بأن كل ما سبق يمكن أن نسقط عليه ما قد تذهب إليه تطورات "كورونا".‏

ألم تكن الاختراعات الكثيرة التي أنتجها الإنسان، بخيرها وشرها، عبارة عن تصورات خيالية بعضها أوردته مجلات ‏وصحف الخيال العلمي؟ ثم ألم تشر المكتشفات الأثرية وما بقي من معالم أثرية إلى فناء أقوام وكائنات بكاملها؟ ‏ إن صحت هذه الإشارات أم لم تصح، إلا أن المؤكد والثابت أن هذا العالم يعيش أزمة حقيقية في البنى الأساسية لوجود ‏الإنسان سواء أكانت هذه البنى مادية تتعلق بالجغرافيا والمناخ الذي بتنا نسخر من تحولاته، في حين تكفي لإثارة الرعب ‏متابعة فيلم وثائقي بسيط عن المخاطر الحقيقية التي تحيط بالكوكب جراء الجشع البشري، أو تلك البنى التي لها صلة بـ"معنى وجود الإنسان" ودوره على هذه الأرض، هذا "المعنى" إن صح التعبير، أو الوجود يبدو أنه بات محكوما بالقيم ‏‏"الرقمية المادية" ولم يعد أحد يعير اهتماما لأي قيم إنسانية روحية، بل حتى أن الإنسان نفسه انتقل من مرحلة العبث بالكوكب ‏إلى مرحلة العبث بنفسه، ولا نعلم إن كان في مكان ما على هذه الأرض من يفكر بتحويل الإنسان إلى حيوان، شكلا ‏ومضمونا، وليس فقط بالمفهوم الفلسفي (الإنسان حيوان ناطق) ويقدمه لنا على أنه فتح علمي وفكري جديد..‏ ربما على الساسة والمفكرين وقبلهم الفلاسفة، إن وجدوا، أن يعيدوا، وقبل فوات الأوان، اجتراح نظريات وحلول من شأنها ‏أن تعيد الإنسان إلى "إنسانيته"، مثلما، هم أنفسهم، وبتراكم معرفي علمي، أوجدوا كما مذهلا من الاختراعات والاكتشافات ‏التي وظف أكثرها لخدمة شرور الإنسان، وإلا فإننا سنكون ليس فقط أمام كورونا واحد، بل كورونات كثيرة لا تبقي ولا تذر..‏ عافانا الله وإياكم من شرور كورونا وغيرها..!

*من كتاب "زمان الوصل"
(193)    هل أعجبتك المقالة (194)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي