من بين مئات المعارك التي خاضها السوريون طوال السنوات الفائتة ضمن حرب بقائهم على أرضهم، ثمَّة معركة كبرى وملحَّة جداً هذه الأيَّام، يجب أن تُفتَح على مصراعَيْها، هي معركة شدّ الأزر.
معركةٌ يشدُّ فيها السوريُّ الشبعانُ أزرَ أخيه السوريّ الجائع. معركةٌ يشدُّ فيها السوريُّ الجالس إلى جانب المدفأة أزرَ أخيه السوريّ البائت في العراء. معركةٌ يشدُّ فيها السوريُّ الآمنُ أزرَ أخيه السوريّ الخائف.
وكلٌّ من موقعه وبإمكاناته، دون أن يستخفَّ أحدٌ منَّا بما يمكنه القيام به. فشعبنا المنكوب في الداخل وصل إلى المرحلة التي يحتاج فيها إلى كلّ شيء. ونجدة هذا الشعب هي أَوْلى الواجبات وأهمَّها على الإطلاق.
وإنَّه لمن العار علينا ألَّا نتقاسم خبزنا مع الذي تقاسم معنا دماءَه.
إنَّ إعادة الروح إلى الثورة تتطلَّب أولاً إعادة الروح إلى الناس. ولن يستعيد الناس الجزء المسروق من أرواحهم دون أن يشعروا بأنَّ لهم سَنَداً فعلياً، من أبناء جلدتهم، يحاول بكلّ ما استطاعه أن يشدَّ من أزرهم.
السوري الذي رُزِقَ بثلاثة أولاد فليحسب أنَّ الله رزقه بخمسة، والمعيل لعائلة صغيرة فليحسب أنه معيلٌ لعائلة أكبر، وكلُّ مغتربٍ فليفكّر قبل أن ينام في سريره الدافئ كيف يمكنه تدفئة طفلٍ ينام في العراء والصقيع.
إنها المعركة التي لا نستطيع أن نتحاماها بدعوى أننا عاجزون عن مواجهة الجيوش وأجندات الدول الكبرى و"الفيتو" الروسي والصيني، لأنها المعركة التي لن نواجه فيها أحداً سوى أنفسنا وسوى اختبار صدقنا وإخلاصنا لقضيتنا.
لا بدَّ من إعادة جمع الأجزاء المتناثرة من المرآة وإعادة لصقها لنرى وجوهنا فيها مجدَّداً. فقد فعلت السنوات الماضية فعلها في نفوسنا، وأوحت إلينا بأنَّ الحفرة التي حفرناها لزرع شجرتنا الموعودة تحوَّلت إلى قبرٍ جماعيٍّ لنا.
إنَّ معركة شدّ الأزر ليست معركةً لتحرير الأرض، بل لتحرير الإرادة ولإنعاش الأمل المحاصر والمهجَّر والصامد حاله حال أهله المحاصرين والمهجَّرين والصامدين.
*شاعر وكاتب سوري - من كتاب زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية