أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

سوريا ما بعد الإرهاب... مزن مرشد*

طفلة هجرها الأسد من بيتها في ريف إدلب - جيتي

كلنا بات يعلم كم تحملت المرأة السورية خلال ما يقارب العشر سنوات من الثورة والحرب، ما لم تتحمله امرأة في العالم.

وهي التي تعرضت للتعذيب والاغتصاب في المعتقلات، للموت تحت سماء البراميل، للغرق في البحار، للموت في صقيع العراء في مخيمات النزوح، للعمل المذل أحياناً من أجل أسرتها لإعالة الجريح والمقعد واليتيم، وخاصة أننا نعيش ظروفا خارجة عن أي دائرة إنسانية، ففي كل بيت رواية، وكل أم بطلة سواء دبّرت لتطعم أولادها، أو عملت، أو شقيت في عملها المزروع بالقلق والخوف، من أن يقطع رزقها...

كل امرأة سورية مهما كان انتماؤها العرقي أو الديني، أو الإثني أو السياسي، هي مناضلة من أجل مستقبل سوريا سواء وعت ذلك أم لم تعِه.

وإذا كنا نريد بناء سوريا المستقبل على أسس الديمقراطية وحرية التعبير والتساوي بين المواطنين وبين الجنسين، فلا بد أن نهتم بفئة الأطفال وتنشئتهم على هذه القيم منذ الصغر، خاصة أولئك الذين عاشوا في مناطق النزاع أو المناطق التي خضعت لقوى التطرف الظلامية.

فمستقبل سوريا مرهون بأطفال اليوم، ونشوء هؤلاء مرهون بوعي المرأة الأم، المربية الأولى التي من شأنها أن تغرس في أطفالها قيم الإنسانية، أو التطرف، قبول الرأي الآخر، أو رفضه، مرونة التفكير أو تحجره...

وعلى ضوء ذلك لا بد من الانتباه لمسألة غاية في الأهمية في مستقبل سوريا القريب وهي مسألة عائلات الجهاديين، سواء كانوا من أسر وأطفال عناصر تنظيم الدولة الإسلامية والمعروف إعلامياً بداعش، أو من عوائل جهاديي الفصائل الإسلامية المتشددة.

وعليه لا بد من التحضير منذ الآن لعديد من الخطوات في المستقبل القريب منها:

1- رعاية هذه العوائل واحتضانها ضمن مؤسسات تأهيلية تشرف على توعية النساء ودمجها في نشاطات بناءة لمساعدتها في إيجاد عمل يغنيها عن العيش تحت رحمة المنظمات الإرهابية المبطنة ببطانات إنسانية والتي تسيطر عليها تحت نير لقمة العيش.

2- مراعاة وضع قوانين ضابطة تمنع التمييز ضد هؤلاء النسوة بشكل خاص، إذ لا يمكننا اعتبار زوجة الإرهابي إرهابية إن لم تكن قد انخرطت بعمل قتالي، كما لا بد أن تشمل الإجراءات الناظمة ألا يتعرض لأطفال الإرهابيين فلا يمكننا تحميل طفلٍ وزر ما فعله أبواه.

3- العمل على إنشاء مراكز خاصة لتأهيل هؤلاء الأطفال كأحد واجبات الدولة القادمة وتقديم الرعاية النفسية والتوجيه، حرصاً على ألا يكونوا امتداداً لمسيرة آبائهم العقائدية من خلال الإشراف المباشر على تعليمهم وتثقيفهم وإدماجهم في المجتمع بشكل مدروس بعيداً عن التعصب والثأر والجهاد.

عوائل الإرهابيين من نساء وأطفال لابد أن يكونوا أولوية في البحث عن سبل اجتماعية صحيحة، مبنية على أسس علمية نفسية وسيكولوجيا، كي نضمن تنقية عقولهم مما غرس بها من أفكار مشوهة.

وبالتالي إبقاء الأمهات مع أطفالهن ليأخذن دورهن في تربية صالحة تغني مستقبل البلاد بشباب واعٍ وقادر على العطاء.

لا بد أن تؤخذ هذه الضرورات بعين الاعتبار لدى الجهات التي ستقوم على إعداد قوانين الدولة السورية وعدم إغفال التمثيل النسائي في الحياة السياسية السورية مدركين لأهمية شرعنة هذا التمثيل قانونياً ليصبح مع الوقت تقليدا حكوميا واجتماعيا غير مختلف عليه.

*من كتاب "زمان الوصل"
(202)    هل أعجبتك المقالة (208)

2020-02-29

كيف فينا نتواصل مع الكاتبة رجاءً؟.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي