لم أسمع باسم "مازن حمادة " من قبل، وصدقا لم استمع إلى قصة اعتقاله المحزنة والتعذيب الوحشي الذي تعرض له في سجون النظام، إلا بعد انتشار خبر عودته إلى سوريا، واعتقاله هناك.. ومن ثم دفعني ذلك لقراءة والاستماع لشهادة المقربين منهم، والذين رووا جانبا من حياة مازن البائسة في هولندا، وكيف أنه كان يعاني من الاكتئاب والإدمان على الحشيش، في محاولة منه، ربما، لمواجهة الندبات والأوجاع التي تركها في نفسه تعذيب نظام الأسد.
وأظن أن قصة اكتئاب مازن ويأسه، لا تبتعد كثيرا عن قصص الشباب الذين قضوا في السكتات الدماغية في أوروبا، نتيجة لعوامل الحزن وفقدان الألفة في المجتمعات التي وفدوا إليها، فهي مشكلة يعاني منها اليوم الكثير من السوريين في أوروبا، إن لم نقل جميعهم، وهناك اليوم حديث متزايد عن الصفعة التي تلقوها، جراء الفارق الكبير بين ما كان متخيل، وبين الواقع الحقيقي.. إذ اتضح أنه ليس من السهولة، أن ينتقل الإنسان ويعيش في مجتمعات لا تشبه مجتمعه وثقافته التي تربى عليها.
لكن كل ذلك لا يبرر لمازن العودة إلى حضن النظام، ولا ما قيل، من أنه يعاني من مرض نفسي خطير، أو من سوء تقدير لمجهوداته من قبل المعارضة، في فضح جرائم النظام، ولو كان الأمر كذلك، لكنت وجدت الكثير من السوريين عادوا إلى سوريا، لأن أغلبهم يعاني نفس أمراض مازن، وربما أكثر، لكن عودة مازن، بدون شك، تختلف عن عودة أي سوري آخر، وهو الذي اختار أعتى أدوات المواجهة مع هذا النظام، ما يعني أنه يعرف المصير الذي ينتظره في سوريا، وهو الموت الجسدي أو المعنوي المؤكد.. اللهم إلا إذا كان يريد أن يستبدل موتا بآخر! لكن في أوروبا كان سيموت لوحده، أما في سوريا، فسيقتل الكثير منا معه.
ومما يلفت الانتباه، هو حديث أصدقاء مازن ومعارفه عنه، أنه فيما بعد أخذ يستثمر قصة تعذيبه في سجون النظام، في جني بعض الأموال، وهناك من تحدث عن مبالغ بآلاف اليوروهات، التي حصل عليها جراء تدوين قصته لصالح إحدى الصحف الأوروبية.. وهو أمر يعطينا فكرة عن ملامح من شخصية مازن، في الوقت الذي يوجد فيه آلاف السوريين، ممن تعرضوا لتعذيب وحشي في سجون النظام، ويعيشون الآن في أوروبا، لكنهم لم يستثمروا قصصهم إعلاميا وماديا، فمازن كان أكثر جرأة في الحديث عن نفسه وطرق التعذيب التي تعرض لها.. وخصوصا شرحه وتفصيله لقصة "الخازوق"، حيث أنه يمتلك أسلوبا عفويا وشيقا في الوصف وأحيانا فكاهيا، بالإضافة إلى ملامحه الطفولية، ودموعه التي تتساقط، في كل مرة يروي فيها قصته، والتي كانت تزيد من حدة التعاطف معه.. لكن على ما يبدو أن الشاب وصل إلى مرحلة القرف، وبحسب الروايات أنه منذ العام 2018، وهو يسعى للعودة إلى سوريا.
أغلب الظن، أن النظام لن يقتله، بل سوف يستثمر فيه إلى أقصى حد ممكن، ولا نستغرب أن تكون الكاميرات الآن تحيط به من كل جانب، بينما يجري تحضيره من أجل أن يشتمنا، وربما يروي قصصا عنا بنفس الروح الفكاهية، ثم بعدها يبكي بحرقة.
أقولها وأتمنى أن لا أكون على حق، إن مازن هو من استثمر فينا، وفي الثورة، شأنه شأن نواف البشير وغيرهم من العائدين إلى حضن النظام و"خازوقه".. وعزاؤنا، أن هؤلاء لم ينقصوا من الثورة شيئا، وبنفس الوقف، لن يزيدوا من "شرعية" النظام في أي شيء.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية