حتى اللحظة يحيا السوريون الخارجون عن سلطة الأسد بين نيران الموت وامل الخلاص، ويمنون النفس بتغيير مفاجئ لموازين القوى على الأرض تعيد لهم خريطة الأمس قبل تدخل الروس في معركتهم حينما كانوا على أبواب العاصمة، ويحاصرون نظاماً يملك فقط السيطرة على بعض الأحياء الحيوية فيها، ومراكز الأمن التي تمارس عسفها بأجساد معتقليهم.
وخلال السنوات العشر التي مضت تنازعت مشاعر مختلفة جموع السوريين بين خوف وهروب ولحظة أمل، وتناسوا في لحظة اوجاعهم وجروحهم وموتهم، وحبسوا في لحظات أخرى دموعهم، ومرات كثيرة كظموا انكساراتهم المتوالية، وأبقوا لقليل الأمل أن يكون نصيرهم.
دخل الروسي بثقله المخيف ففرح المؤيدون ورقصوا في الشوارع فرحين بقتلى المعارضين، وفي الجهة الأخرى كان الموت يحصد العائلات والمدن والقرى، ويدمر المشافي فوق رؤوس المرضى، ويعزل المدفونين تحت الأنقاض عن منقذيهم.
ومع كل هذا الزخم الروسي الإيراني في دعم النظام إلا أن الأمل بقي معلقاً في أصدقاء الشعب السوري، وبعض العرب الذين أظهروا دعمهم خيار الشعب لكنهم هادنوا حلفاء النظام حتى سنة اللعنة التي أسفروا فيها عن علاقاتهم السرية معه، وانصياعهم لأجندات الخارج فيما عمد بقية العالم إلى إدارة وجهه عن مشاهد الموت والغرق واقتطاع الأرض، وباتت موجات التهجير هي المشهد السائد.
استكمال تهجير المعارضين اختتم أخيراً بالهجوم على آخر ملاذاتهم، وسنارة الإرهاب مغروسة فيها، ومن أجلهم صرخوا احتجاجاً ثم موتاً بعد أن انفض من حولهم العالم، وبات عليهم أن يدافعوا عن سلميتهم، وأن يعيدوا تكرار أهداف هتافهم الأول الذي أصم العالم آذانه عن سماعهم، وفقط بقيت العين الوحيدة تنظر إلى أولئك الملثمين الذين يرفعون رايات الدين، وأما راية السلمية فهي رمز الخيانة وإن كانت جزءاً كبيراً من تاريخهم المغدور.
اتسع الدم في الأشهر الأخيرة، وباتت الفاجعة أكبر، ومع ذلك لم يتحرك أحد، وترك للروسي حرية الاستفراد بما لا سند لهم سوى حليف متردد، وضامن لا قدرة له على مواجهة الضامن الأقوى، وفقط بعض المعارك الصغيرة، والتصريحات المرتفعة التي فقدت نشوة أثرها لدى الكثير من الهائمين الذين قلتْ طموحاتهم حد أن يخرج البعض طلباً لبعض الدفء والأمان.
اليوم.. بين من يملك الأمل ومن يستشعر اليأس تنقسم المشاعر، والمتابع لانفعالات أهل الشمال يدرك تماماً أي تناقضات حادة يكابدونها، وعلى الأرض ثمة قوة غاشمة تذهب إلى آخر أهدافها، وأخرى داعمة مترددة تخشى غدر حلفائها، وفصائل لها ما لها وعليها الكثير من الإشارات، والناس لا حول لهم ولا قوة سوى انتظار المخلّص.
في الشأن السياسي معارضة خائرة، وبوصلتها كل الجهات لأنها ارتضت أن ترهن قرارها لغير الهمّ السوري، وتناور كما يرى الداعم والعاطي، تجتمع وتنفض وفق أهواء ومصالح الآخرين فيما من يتحدثون باسمهم يطردون إلى آخر الحدود الممكنة، وأما المعارك الأخيرة فهي ما يسبق اليأس، وأما الحرية فهي الأمل الذي لا يمكن انتزاعه وهزيمته.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية