أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الثالوث غير المقدس... حسين الزعبي*

الكاتب: محزنة سوريا بمدنها الأقدم في التاريخ الإنساني أن تبقى خاضعة لثالوث غير مقدس

تفرض الحركة الاقتصادية في المدن الكبرى، التي يمكن تسميتها مدنا تجارية، وجودا فاعلا ‏لشريحة التجار ورجال الأعمال، ليس فقط لجهة الفعل الاقتصادي، بل كذلك في رسم خريطة ‏المجتمع وحركته، وهذا ليس حكرا على بلد بعينه بل هو ديدن التجمعات السكانية الكبرى في ‏كل دول العالم.‏

في سوريا التي لها طبيعة "محافظة" ينضم رجال الدين في المدن الكبرى إلى شريحة التجار ‏في عملية التأثير المجتمعي وربما يتقدمون على التجار في هذا الدور أو أن التجار يتراجعون ‏ليضعوهم في الواجهة فهم، أحيانا، أكثر "كفاءة" في ميدان إدارة مجتمع تحضر فيه العواطف ‏الدينية بشكل واضح.‏ تزداد هذه "الكفاءة" تأثيراً في المجتمع مع غياب المثقف القائد للرأي للعام، أو تراجع دوره ‏وتأثيره لأسباب كثيرة منها ما هو ذاتي يتعلق بالمثقف نفسه، كحالة التقوقع والبعد عن ‏الاحتكاك المباشر بالمجتمع وفهم السياق التاريخي لحركته والعوامل المؤثرة في هذه الحركة، ‏ومنها ما هو موضوعي كدور السلطة في تهمشيه ومحاربته والبطش به إن لزم الأمر، من ‏دون إغفال الدور غير المباشر للشريحتين، التجار ورجال الدين، في التهميش والمحاربة.‏

في المجتمع الدمشقي على سبيل المثال يتمتع رجال الدين بأريحية معيشية مكنت الكثير منهم ‏من السكن في شقة ضمن تنظيم كفر سوسة ثمنها 70 مليون ليرة، يوم كان الدولار يساوي ‏‏50 ليرة، بينما كان يجهد "مثقف" للانتقال من العيش في مناطق العشوائيات على أطرف ‏دمشق إلى شقة على الأقل ضمن مناطق مُنظمة، فلا القوى الاقتصادية أدت دورا إيجابيا في ‏تعزيز ما هو ثقافي، اللهم سوى شراء ذمم بعض الصحفيين ودعم بعضهم بالفتات، ولا رجال ‏الدين أخذوا المجتمع إلى منطقة أعلى لجهة الوعي، وفي كل هذا ما جعل السلطة السياسية ‏الأمنية في راحة بال.‏

هذه السلطة الأمنية، عندما أزفت ساعة الحقيقة، لم تجد أكثر منهم وفاء لها، ففي اللحظة ‏الفارقة التي انتفض فيها المجتمع للمطالبة بأبسط حقوقه، تحول رجال الدين والتجار، إلا من ‏رحم ربي، ومعهم من تم شراء ضميره من "المثقفين" إلى دروع تصد عن النظام وتصوب ‏سهامها المسمومة على الشعب.‏ بالأمس تداولت وسائل التواصل الاجتماعي صورة منسوبة لمجموعة من مشايخ حلب وهم ‏يتبرعون بالدماء لجيش النظام بعد إعلانه السيطرة على حلب، كانت كروشهم منتفخة، ووجهم ‏كذلك، وقد بدت عليهم ملامح من لم يمسسه هم، أي هم من هموم المأساة السورية.

محزنة سوريا بمدنها الأقدم في التاريخ الإنساني أن تبقى خاضعة لثالوث غير مقدس "ديني، ‏تجاري، أمني".

*من كتاب "زمان الوصل"
(224)    هل أعجبتك المقالة (201)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي