أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الرئيس الأسد، فعلها أبوك فهل تفعلها أنت؟ .... د. عوض السليمان *

البارحة بالضبط، الأربعاء، استهزأت، وأعيد، من الجامعة العربية ومن مواقفها الهزيلة الميتة، وذكرت كيف أن الفعل "حذر" والفعل" تصدى" قد فقدا قيمتيهما تماماً بفضل هذه الجامعة أميناً وأعضاء. واليوم شعرت ببعض سرور، إذ رأيت الفعلين معاً في خبر واحد. هذا الخبر يتحدث عن التصدي الدفاعات الجوية السورية لطائرات العدو الصهيوني، ويحذر حكومة الصهاينة من هذا العدوان السافر. وقد فرحت خاصة وابتهجت أساريري، لما تكلم البيان السوري عن "عدوان"، فقد نسينا في زحمة تصريحات الحكام العرب حول رغبتهم في السلام، أن الصهاينة أعداء لا إلّاً لهم ولا ذمّة.

صحيح أن بيان الناطق باسم القوا ت السورية جاء مقتضباً جداً. وصحيح أيضاً أن الإعلان وصف العدو بالإسرائيلي بدل الصهيوني، ولكن الصحيح أيضاً أن هذا الخبر قد حرك مشاعر الكثيرين، وداعب أمنيات الكثيرين بفتح جبهات القتال في معركة لا توقف فيها حتى النهاية.

الحديث عن " ناطق باسم القوات السورية" أعادني إلى الوراء كثيراً، لما كانت بعض وحدات الجيش السوري تمر في قريتي الصغيرة، ويلقي أفرادها بعض الحلوى أو التمر على المارة وفي بعض الأحيان جزءاً من طعام أولئك الجنود، وكانت النسوة يصطففن على طرفي الشارع يزغردن لمرور الدبابات والعربات التي تمثل حماة الوطن.

صور لا أستطيع أن أمحوها من ذاكرتي، فمع كل الهوان الذي تعرضت له هذه الأمة. إلا أن تلك الرغبة العارمة برفع الرأس عاودتني أول ما سمعت كلمات، قوات مسلحة، بيان عسكري، ناطق عسكري، طائرات حربية. منذ الثمانينيات ونحن لا نعرف إلا الطائرات الورقية، فكان من الطبيعي أن نشعر بلحظة سعادة مع ذلك البيان، مع أنه اكتفى بحق الرد، ولم يرد، وكان الأجدر أن تصل الصواريخ السورية إلى تل أبيب قبل أن تعود الطائرات الصهيونية إلى قواعدها.

كلمات قليلة، هزت وجداني، تذكرت صورة الجنود السوريين وهم يتدربون في الصباح الباكر، بعد الفجر بقليل، ومع ذلك لم تكن نسوة القرية يأبهن بكلاب الليل أو ضباعه، ويخرجن إلى أطراف القرية ليزغردن للفرسان وينثرن الرز باتجاههم. بينما نسمع صوت الإذاعة الداخلية للمعسكر وهي تنشد للبطولة والنضال وللرجال.

أكثر ما لفت نظري، بعد صدور هذه التصريح، للناطق باسم القوات المسلحة السورية، هو التعليقات التي انهمرت كالمطر تحت الخبر، في المواقع السورية المحلية، فقد هب المعلقون كلهم، للتعبير عن وقوفهم خلف القوات المسلحة وخلف الرئيس الأسد، للرد على الصهاينة، والدفاع عن شرف الأمة. قرأت تلك التعليقات الحارة، ورأيت قناعة الناس المطلقة بأن الكيان الصهيوني هو كيان ضعيف مهزوم يحارب من وراء جدر وفي قرى محصنة. رأيت في كلماتهم رغبة في الانطلاق إلى الجبهة اليوم لا غداً، سكتوا عن التعليق عن "الواوا"، ولم يذكر أحدهم مشكلة الكهرباء التي تمر فيها البلاد، ولا اشتكى أحدهم من الوضع المعيشي، بل اندفعوا جميعاً يكتبون الأشعار، والأناشيد الوطنية، ويطالبون بالرد المناسب.

منذ زمن طويل، منذ أن تعرفنا على ثقافة الرذيلة، لم أسمع شعراً مثل: سأحمل روحي على راحتي ***وألقي بها في مهاوي الردى وأراجيز مثل: أنا من أرض الأحرار قدمت*** أنا من شعب لا يأبه بالموت ولدت*** أنا من كأس الأبطال شربت. وشاهدت، وكنت أعتقد أننا نسينا، جملاً مثل: حي على الجهاد .

الأجمل في التعليقات أنها كانت كلها تصب في اتجاه واحد فالكل مستعد لقتال العدو والموت في سبيل الله والوطن. وتناسى المعلقون خلافاتهم، إذ تعودوا سابقاً أن يردّ بعضهم على بعض باستهزاء. أما هذه المرة فقد امتلأت الصفحات بتعليقات ناضجة ملؤها الصدق والمحبة.

أعادت تلك التعليقات لنا أيضاً صور التلاحم والتآزر بين أبناء الوطن الواحد ، ومن ذلك أن السوريين في حرب تشربن وما بعدها كانوا يخرجون زيت الزيتون والسكر والطعام بأنواعه، ويضعونه أمام بيوتهم هبة لمن أراد أن يأخذ منه دون مال أو سؤال، وذلك حتى لا يجوع أحد. يداً واحدة كانوا، ومع أننا ظننا أنهم نسوا كل ذلك في عصر العولمة، إلا أن القلوب قفزت إلى الحناجر مع ذلك البيان العسكري لا خوفاً بل أملاً باللقاء في ساحات الوغى.

الحق أقول لكم، منذ بدأت تلميحات الحرب تتسرب من هنا وهناك، ونحن ندعو الله أن يعجل بذلك، فماذا بقي لنا حتى نخاف عليه، أمريكا تضع حذائها على رؤوسنا، والصهاينة يجولون في أقدس نقطة على وجه الأرض، وبدأ الجبن والخنوع ينتشران بين شبابنا، كما أصبح والخمول والكسل سمة جيوشنا فماذا ننتظر؟.

كل مرؤوس يتمنى على رئيسه شيئاً، بيتاً، أو عملاً...الخ، أنا أتمنى على الرئيس الأسد، أن ينقض على هذا العدو ولا يخاف في ذلك لومة لائم،. نريد حرباً، نريد كرامة نريد أن نرى جيشنا محارباً. نريد أن تتحرك الشعوب العربية كلها باتجاه القدس وبغداد.

اليوم، نحن نعلم أكثر من أي وقت مضى جبن الصهاينة، وخوفهم، فلا هم الجيش الذي لا يقهر ولا هم القوة الإقليمية الوحيدة في المنطقة. ويكفي أن تتذكروا حرب تموز الماضية وصور الجنود الصهاينة وهم يبكون كما تبكي ربات الخدور، ناهيك عن أولئك الذين دخلوا المصحات النفسية بسبب الهلع وهول ما شاهدوا في أرض المعركة، ذلك مع العلم أن حزب الله لم يكن دولة ولا يملك جيوشاً نظامية ولا أسلحة كتلك التي يملكها الكيان الصهيوني.

السيد الرئيس بشار الأسد، لقد فعلها أبوك وها نحن ننتظر أن تفعلها أنت، ولقد قالوا:

فإذا كنت المقدام فلا                      تجزع في الحرب من الرهج
وإذا أبصرت منار هدىً                      فاظهر فرداً فوق الثبج

* دكتوراه في الإعلام – فرنسا
(121)    هل أعجبتك المقالة (121)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي