أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

هل حقاً سوريا جاهزة لإعادة الإعمار؟... مزن مرشد*

ادلب - جيتي

تخطت الحرب السورية كل الحدود المعروفة في قوانين الحروب، وخاضت كل أنواع الحروب بما فيها الحرب الأهلية، وحرب الآخرين على أراضيها، وأيضاً لم تعد حرباً مفتوحة، مع استعادة النظام للأراضي المحررة من قبضته منذ بداية الثورة، ومع ذلك فإن الأزمة السياسية تزداد حدة يوماً بعد آخر، ولم تختف الأسباب الجذرية لانطلاقة الثورة في آذار مارس/2011، بل ازدادت أدوات الحياة اليومية للمواطنين صعوبة مما كانت عليه خلال أسوأ أيام الحرب، ولا يستثنى من ذلك المناطق التي كانت دائماً تابعة للنظام، مثل دمشق أو اللاذقية أو طرطوس، وتحتوي على العدد الأكبر من المدافعين المتحمسين لبقاء الأسد في سدة الحكم.

بفضل موسكو وطهران، فاز بشار الأسد في معركته للبقاء في السلطة حتى اليوم، لكنه بالتأكيد لم ولن يفز بالسلام، وبالتالي فإن تلميحاته للبدء – بمعركة – إعادة الإعمار أراها اليوم ضرباً من المستحيل، فمن سيجرؤ على هذه المغامرة من الدول الاقتصادية المعنية في بلد لا يحظى بالهدوء، ومن البديهي فإن أي مناقشة للوضع السوري بأمانة، يجب أولاً وقبل كل شيء الاعتراف بأن البلاد لا تزال غير مستقرة إلى حد كبير وأن بقاء النظام في حد ذاته يجلب الفوضى واختلال التوازن والصراع على المدى الطويل، وبالفعل لن تحظى سوريا بالسلام ما دامت ميليشيات حزب الله والميليشيا الإيرانية مسيطرة على البلاد ومتسلطة على العباد، ومع تواجد قوات أجنبية على الأرض بات لها وجودها ومصالحها وقواعدها ومن الصعب أن تخرج بهذه البساطة.

مع كل هذه المعطيات فإن مناقشة قضية إعادة الإعمار على أي مستوى -خاصة بعد الترويج الكبير الذي يبثه النظام عن انتصاراته واستعادته لمساحات كبيرة من الأراضي والمناطق لسلطته- لا بد أن تبدأ بشواغل رئيسية للمناقشة على رأسها عودة اللاجئين إلى مناطقهم المعاد إعمارها، وهذا بحد ذاته من الصعوبات التي ستواجه أي نقاش خاصة في ظل الأعداد الكبيرة المهجرة داخلياً وخارجياً، ومع تغيير ديمغرافي أمعن النظام في زراعته بكافة المناطق الثائرة والمستعادة لقبضته خاصة في ريفي دمشق وحمص.

أما المسألة الثانية التي ستطالها المناقشات فهي مسألة العقوبات والمساعدات الإنسانية واحتمال استئناف العلاقات الدبلوماسية مع النظام، وهذا ما بدأ كثيرون بالحديث عنه علانية وخاصة من معارضة الداخل، والذين يطالبون في كل مناسبة برفع العقوبات الدولية عن النظام، وهذا ما بدأ يلقى بعض الآذان الصاغية غربياً وعربياً.

وعلى هذا الأساس ثمة من يدعونا للقبول بهذه المعطيات كأمر واقع، وأن نتأقلم مع هذا الوضع الجديد، وإن لم تكن هذه الدعوات صريحة إلا أنها جلية بين سطور الخطاب السياسي المُطَور للدول التي وقفت طويلاً مع ثورة الشعب السوري، سواء كانت دولاً عربية شقيقة، أو الدول الصديقة المساندة للثورة، فلماذا هذا التغيير بالخطاب وبالثوابت، التي كانت ملتزمة ومخلصة لها منذ انطلاقة الثورة حتى اليوم؟

هذا السؤال الذي ربما تجيبنا عليه الأيام القادمة عندما تتكشف الصفقات كلها، أو كما يقول المثل (بس يدوب التلج ويبان المرج).

المفارقة في الموضوع أن هذه الإرشادات ليست جديدة، لكنها تجد اليوم صدى متزايدا بين بعض المراقبين ورؤوس دبلوماسيات غربية مع الأسف.

ومع ذلك مهما تغيرت الأوضاع، ومهما كان القادم لصالح النظام، فلا بد أن نذكر العالم بكل ما نستطيع من وسائل، الآن وإلى الأبد، بأن الأسد تمكن من البقاء على كرسيه ببساطة على حساب دماء وخوف الشعب السوري، ولنخبر العالم بكل ما نستطيع من الوسائل، الآن وإلى الأبد، أن الاستقرار الذي يروج له ويزعمه لا يزال بعيداً، وبعيداً جداً.

*من كتاب "زمان الوصل"
(195)    هل أعجبتك المقالة (201)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي