أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

أزمة بورجوازية وطنية... د.محمد الأحمد*

من ادلب - جيتي

في التفكير الإنساني كثيراً ما تصادف حكمة مبنية على أساس (يا ليت الي جرا ما كان)!

وهؤلاء الذين يقولونها لا يكتفون برسم الجنة للناس بأثر رجعي، بل يضعون سيناريوهات ترسم الأحداث التي كان من الممكن حدوثها.
أحد هؤلاء برر لي كرهه ليوم جلاء المستعمر الفرنسي كالتالي: لولا الجلاء لكنا من أمة حازت كأس العالم لكرة القدم، ولكانت فرق الكرامة وتشرين والأهلي الحلبي، تلاعب سانت ايتيان ومارسيليا، ولكنا ننتج البيجو والسيتروين والرينو والإيرباص، ولكانت البنية التحتية عندنا مثل فرنسا، والمدن منظمة وجميلة.

حتى الطلاب الجامعيين الذين يدرسون علم السياسية ! منهم من يفكر بنفس الأسلوب !! ففي جامعة صوفيا كنت أدرس الطلاب مادة (الربيع العربي) في كلية العلوم السياسية عام 2014م، دار حوار شبيه بيني وبين طالب، أصر بأن الحل بالنسبة لدول العالم الصغيرة، هو أن يحتلها الغرب بشكل كامل !! وكان جوابي على كلامه: الغرب سيقبل كل ملتحق به فقط عندما تمسح له نافذة السيارة صباحاً، وتضرب له تحية الخادم (للبيك) ! عليك أن تعيش بوفرة، لكن ليس من دون كرامة.

لكن ما هي أسباب وصول الشباب لهذه الكارثة الفكرية؟

عندما يصبح الجور والظلم، من ابن بلدك عادة، وعندما تعرف أنك مهدور الكرامة تكفر بأعز ما لديك، لأن أخطر ما يمكن أن يحصل هو ألا تتحقق أبسط أسس العدالة الوطنية.

ولهذا الأمر وجه سياسي تحدثنا بها مراراً، سوى أنني اليوم أود تناول الوجه الآخر للعملة الظالمة، وهو دور البرجوازية الوطنية، إما بمشاركة السلطة بصمتها، أو بترك الوطن يضيع لأنها لا تقوم بدورها التاريخي المطلوب.

التاريخ يقول إن (البورجوازية الأوروبية) هي التي بنت الدول الكبرى في أوروبا وهي التي مولت المخترعات وبنت القاعدة الصناعية، لا بل وهي التي مولت الأحزاب، والتيارات السياسية، وحتى الشخصيات الفكرية التي أنهضت الأوطان بفلسفتها وأفكارها النيرة.

فلقد كان أغنياء فرنسا وإنكلترا يتبارون في احتضان روسو وفولتير، حتى أن الطبقة الغنية هذه، كانت تنقسم في عشق الكلمة والمعنى والفلسفة إلى "فولتيريين" و"روسويين" في انقسام مثمر بين هذين العملاقين اللذين كانا يتكارهان على (العقل).

أقترح عليكم العودة إلى كتاب قصة الحضارة للكاتب "ول ديورانت" الذي يوضح تفاصيل الصراع الفكري بين هذين العملاقين.

وما أراني في هذه الأزمنة إلا وأشاهد البورجوازية السورية، وهي تتنافس على برامج التلفزة ومباريات الكرة، في وقت الحريق الوطني الكبير، الذي يتطلب قدراً عالياً من روح التضحية والفداء.

إن إنشاء صندوق وطني سوري مستقل، هدفه التأسيس لعمل سياسي ليبرالي معارض.

(مستقل) يرعى ويدعم حزباً أو تياراً سياسياً وطنياً ليبرالياً، هو أمر ملح لأبعد الحدود، فلا حاجة بنا لاختراع الدولاب من جديد ونحن نعرف كيف استطاعت الأمم المتقدمة أن تخرج من عنق الزجاجة، وتبني لنفسها وجوداً حقيقياً في هذا العالم المعقد.

*أستاذ جامعي - من كتاب "زمان الوصل"
(188)    هل أعجبتك المقالة (206)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي