أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

لماذا قرر بوتين قتل الجنود الأتراك.. الأمريكي وصل*

هل تنهي واشنطن حلم بوتين في سوريا عبر الأتراك؟

ليس ممكنا تخيّل استهداف قوات نظام الأسد للجنود الأتراك دون أمر عمليات روسي، وليس صحيحاً أن الإيرانيين هم من ورّطوا الأسد في هذه اللعبة، فالإيرانيون لا يريدون عداوة جديدة في المنطقة بعد اغتيال سليماني وحالة الحصار التي فرضها الأمريكيون، أضف إلى أنهم لم يعودوا يثقون بالروس ولا ببشار الأسد، ومن دلالات ذلك نشرهم أخباراً مهينة لنظام دمشق من قبيل أن سليماني كان يدير المعارك من غرفة الأسد عندما كانت دمشق قاب قوسين من السقوط بيد قوى المعارضة، وتسريبات عن تعليمات المرشد خامنئي شخصيا بتأمين الرعاية الطبية للأسد المصاب بورم في الدماغ.

يتحدث الروس عن عدم التزام الأتراك بما ورد في اتفاق سوتشي لجهة تفكيك القوى المسلحة المتشددة، والتي توصف بالإرهابية، وفتح الطريقين المحوريين M4-M5، إلا أن المسألة أعمق وأعقد من مجرد منطقة إدلب، فالروس كانوا أيضا عائقا للأتراك في مواضع أخرى على طول الحدود، وهم يمهدون الطريق لمفاوضات بين نظام الأسد وجماعات كردية ترى فيها أنقرة خطراً على أمنها القومي.

بالنظر إلى ما يريده الروس، فإن فتح الطريق الدولي، واستخدام كامل النفوذ لبسط السيطرة على مختلف المناطق هي ضرورة قصوى نظرا لأن مزيدا من الوقت يعني مزيداً من المتاعب والتكاليف، ويركز الروس في رسالتهم الدبلوماسية على إعادة الإعمار، وهو ما يتمنع فيه الأوروبيون وتعارضه واشنطن.

عمل الرئيس الروسي بوتين بصمت خلال الفترة الماضية على إقرار تعديلات دستورية تضمن استمراره بعد 2024 حيث سيتم نقل الكثير من الصلاحيات إلى مجلس الدولة التي يتم التمهيد ليكون بوتين على رأسه بعد انتهاء ولايته، وهي عملية سياسية ربما تتطلب الإسراع في تثبيت المصالح الاستراتيجية على المستوى الدولي وخصوصا في سوريا والمنطقة.

بالمقابل تسعى الولايات المتحدة إلى فرملة الجموح الروسي، ومن الممكن فعليا أن تكون سوريا منطقة صدم وتعطيل، وتبدو الأوضاع في واشنطن أفضل من ذي قبل، كما تبدو الصورة أكثر وضوحا لديهم حول المرحلة القادمة.

يملك الأتراك في معركتهم في سوريا عددا من الأوراق منها:

أولا: الرغبة الأمريكية بوقف التمدد الروسي وإبعاد إيران، ليبقى التعاون مع أنقرة خيارا ضرورياً في هذه المرحلة.

ثانيا: القلق الأوروبي من موجات جديدة من اللاجئين يمكن أن يهدد بها الأتراك.

ثالثا: اتفاقية أضنة لعام 1998 والتي لا تقل أهمية وشرعية عن ذريعة الوجود الروسي والإيراني بطلب من حكومة معترف بها شرعيا في الأمم المتحدة.

رابعا: تأهيل الأتراك لعشرات الآلاف من المقاتلين من عناصر المعارضة السورية الموجودين على الأرض.

يبقى السؤال الأهم، هل تنهي واشنطن حلم بوتين في سوريا عبر الأتراك، وهل موسكو قلقة من هذا الاحتمال، وهذا السؤال تقود الإجابة عليه إلى ما حصل في الريفين الغربي لإدلب والشرقي لحلب واستهداف نقطتي مراقبة تركيتين وقتل نحو 13 جنديا فيها.

يدرك الروس أن إدارة ترامب تعمل لاستعادة الأتراك إلى صفهم، والاستثمار في هذه العلاقة، الأمر الذي يبرر التصعيد بدفع قوات الأسد ومعها ميليشيا مدعومة إيرانيا للزحف واحتلال عشرات القرى في المنطقة المتفق على أنها تخضع لاتفاق خفض التصعيد.

لقد قتل الجنود الأتراك تحت غطاء جوي روسي، وجاء الرد بإسقاط مروحية بصاروخ حراري ربما زودت به تركيا قوات المعارضة، ولا يمكن لتركيا فعل هذا دون تنسيق مع الأمريكيين، وهذا يذكر تماما بصواريخ "ستينغر" الأمريكية في أفغانستان، والتي أرهقت السوفييت وأخرجتهم من المعركة، الأمر الذي "يهرش" ذاكرة الروس ويذكّرهم بما لا يرغبون تذكّره.

أكثر ما يلفت في تصريحات جميس جيفري، المبعوث الأمريكي الخاص بالشأن السوري خلال الأسبوعين الماضيين تلميحاته إلى أن هيئة تحرير الشام "لم تشكل تهديدا على المستوى الدولي" منذ فترة، وفي هذا إشارة على احتمالين، الأول إمكانية استخدامها في المعركة ضد الروس قبل تفكيكها، والثاني تفكيكها وإعادة دمجها وذلك بهدف وقف استخدامها كذريعة للروس ونظام الأسد في محاربة الإرهاب، وكلا الاحتمالين يعنيان أن واشنطن تخطط لمعركة طويلة مع الروس في سوريا، وربما يزيد هذا من مخاوف موسكو لأنها ستكون أمام حرب استنزاف في مكان ينبغي لها أن تخرج منه بصورة المنتصر.

وصل جيمس جيفري إلى أنقرة مساء أمس، وأول تصريحاته كانت باللغة التركية، حاملة معاني عاطفية أكثر منها سياسية، معزيا بالجنود الأتراك، ومعربا عن وقوف بلاده إلى جانب حليفهم التركي في حلف "الناتو"، وقد لا يثق الأتراك كثيرا بمثل هذه التصريحات بناء على تجارب سابقة، لكنه اختبار خطير وشديد الحساسية، فالأمريكي الذي التقط رأس الخيط يبقى خيارا معقولاً إذا كانت الخيارات الأخرى صداماً مع الروس بشكل منفرد، أو صمتاً مذلّا وإعلانا عن هزيمة في البلد الذي يهدد ضعفهم فيه أمنهم الاستراتيجي.

*علي عيد - من كتاب "زمان الوصل"
(238)    هل أعجبتك المقالة (236)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي