ربما كان على الأتراك أن ينزلقوا في حرب مع الروس أو الأمريكان تطيح بكل ما أنجزته تركيا خلال العقود الأخيرة، وقبل ذلك كان عليهم أن يغلقوا حدودهم بوجه السوريين أو على الأقل أن يجبروا اللاجئين على العودة صاغرين لحضن "الوطن"، وأن تتبنى السياسة الخارجية التركية مبدأ "تصفير مشاكل" التي نظر لها وزير الخارجية السابق "أحمد داوود أوغلو"، وأن تتماهى أنقرة في سياساتها مع عواصم الثورات المضادة حتى يرضى عنها سوريو مزاجية التفكير والتصور المسبق وربما الحقد الذي يمنعهم من النظر إلا من زاوية واحدة استنادا إلى تصورات إيديولوجية.
الدول، جميع الدول، ارتكبت أخطاء تصل مستوى الخطيئة بحق السوريين، فبعضها قدم مصالحه الخاصة الآنية على المصلحة الاستراتيجية التي تعطي ثمارها بعد سنوات طويلة، ودول أخرى، كانت أضعف من أن تدخل في أتون المأساة السورية فاتخذت موقفا سلبيا تجاه السوريين وثورتهم، وأخرى أعلنت العداء المطلق وتبنت مواقف النظام ورابعة عبثت بالسوريين وثورتهم وحرفتها عن مسارها الصحيح لأنها أرادت تحويلها لنموذج سيء لفكرة الربيع العربي، حتى باتت مثالا يلوح به الساسة لشعوبهم إن فكرت بالانتفاض في سبيل حقوقها.
تركيا من بين هذه الدول التي ارتكبت أخطاء بحق الثورة السورية ربما من بينها وقف معركة الساحل -وأرجح شخصيا أنها نتاج سوء تقدير حسابات- ولكنها تدفع الآن وربما قبل السوريين ضريبة هذه الأخطاء إلا أنها مازالت رغم كل ما تتعرض له، مساحة للسوريين المعارضين، ومازالت، ولعلها الوحيدة التي تتبنى قضيتهم في المحافل الدولية وفي علاقاتها الثنائية مع الدول صاحبة القرار مثل روسيا والولايات وغيرها.
وما نصنفه خطأ أو خطيئة، يرى فيه مواطنون أتراك فعلا حسنا، فالكثير من الساسة الأتراك لاسيما من المعارضة يرون أن تبني السياسة التركية مواقف مؤيدة للثورة السورية جلب إليها العداء وتسبب لها باشتباكات سياسية داخلية وخارجية كانت بغنى عنها.
الدفاع عن الدول والسياسات أمر ممجوج، إذ لا أخلاق في السياسة، ولكن الأكثر بشاعة هو الإنكار التام لدور دولة مثل تركيا مازالت تستضيف أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ سوري تتيح لهم فرصة العمل السياسي المعارض، أو على الأقل تسمح لهم برفع علم ثورتهم.
أعتقد أن على السوريين بمعارضهم ومؤيدهم وقبل أن يحملوا تركيا أو إيران أو موزمبيق وزر مأساتهم أن يكفوا عن حالة التوحش والاستشراس على بعضهم بطريقة لم تسجلها أبشع مشاهد التاريخ، ففي مأساتنا القاتل سوري، والمقتول سوري، والمهجِر سوري والمهجَّر كذلك، وكلهم يتغنى بسوريته، وجميعهم، على كلا الضفتين، المعارضة والمؤيدة يرمي بمسؤولية الخراب خارج الحدود.
الدول، ليست فاعل خير يسعى لكسب الأجر من الله، هي إدارات سياسية محكومة بصراعات داخلية وبمصالح تشرعها صفقات سياسية واقتصادية خارجية قد تتفق مع "السوري" في هذه اللحظة وقد تتناقض معه في لحظة أخرى.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية