أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

كفوا عن التوحش قبل رجم تركيا.. حسين الزعبي*

نقطة مراقبة تركية في ريف حلب - جيتي

ربما كان على الأتراك أن ينزلقوا في حرب مع الروس ‏أو الأمريكان تطيح بكل ما ‏أنجزته تركيا خلال العقود الأخيرة، وقبل ‏ذلك كان عليهم أن يغلقوا حدودهم بوجه ‏السوريين أو على الأقل أن يجبروا اللاجئين على العودة صاغرين لحضن "الوطن"، وأن تتبنى ‏السياسة الخارجية التركية مبدأ "تصفير مشاكل" التي نظر لها وزير الخارجية السابق "أحمد ‏داوود أوغلو"، وأن ‏تتماهى أنقرة في سياساتها مع عواصم الثورات المضادة حتى يرضى عنها ‏سوريو مزاجية التفكير والتصور المسبق وربما ‏الحقد الذي يمنعهم من النظر إلا من زاوية ‏واحدة استنادا إلى تصورات إيديولوجية.

الدول، جميع الدول، ارتكبت أخطاء تصل مستوى الخطيئة بحق السوريين، فبعضها قدم مصالحه الخاصة الآنية على ‏المصلحة الاستراتيجية التي تعطي ثمارها بعد سنوات طويلة، ودول أخرى، كانت أضعف من أن تدخل في أتون المأساة ‏السورية فاتخذت موقفا سلبيا تجاه السوريين وثورتهم، وأخرى أعلنت العداء المطلق وتبنت مواقف النظام ورابعة عبثت ‏بالسوريين وثورتهم وحرفتها عن مسارها الصحيح لأنها أرادت تحويلها لنموذج سيء لفكرة الربيع العربي، حتى باتت مثالا ‏يلوح به الساسة لشعوبهم إن فكرت بالانتفاض في سبيل حقوقها.

تركيا من بين هذه الدول التي ارتكبت أخطاء بحق الثورة السورية ربما من بينها وقف معركة الساحل -وأرجح شخصيا أنها ‏نتاج سوء تقدير حسابات- ولكنها تدفع الآن وربما قبل السوريين ضريبة هذه الأخطاء إلا أنها مازالت رغم كل ما تتعرض له، ‏مساحة للسوريين المعارضين، ومازالت، ولعلها الوحيدة التي تتبنى قضيتهم في المحافل الدولية وفي علاقاتها الثنائية مع ‏الدول صاحبة القرار مثل روسيا والولايات وغيرها.

وما نصنفه خطأ أو خطيئة، يرى فيه مواطنون أتراك فعلا حسنا، فالكثير من الساسة الأتراك لاسيما من المعارضة يرون أن ‏تبني السياسة التركية مواقف مؤيدة للثورة السورية جلب إليها العداء وتسبب لها باشتباكات سياسية داخلية وخارجية كانت ‏بغنى عنها.‏

الدفاع عن الدول والسياسات أمر ممجوج، إذ لا أخلاق في السياسة، ولكن الأكثر بشاعة هو الإنكار التام لدور دولة مثل تركيا ‏مازالت تستضيف أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ سوري تتيح لهم فرصة العمل السياسي المعارض، أو على الأقل تسمح لهم ‏برفع علم ثورتهم.‏

أعتقد أن على السوريين بمعارضهم ومؤيدهم وقبل أن يحملوا تركيا أو إيران أو موزمبيق وزر مأساتهم أن يكفوا عن حالة ‏التوحش والاستشراس على بعضهم بطريقة لم تسجلها أبشع مشاهد التاريخ، ففي مأساتنا القاتل سوري، والمقتول سوري، ‏والمهجِر سوري والمهجَّر كذلك، وكلهم يتغنى بسوريته، وجميعهم، على كلا الضفتين، المعارضة والمؤيدة يرمي بمسؤولية ‏الخراب خارج الحدود.‏

الدول، ليست فاعل خير يسعى لكسب الأجر من الله، هي إدارات سياسية محكومة بصراعات داخلية وبمصالح تشرعها ‏صفقات سياسية واقتصادية خارجية قد تتفق مع "السوري" في هذه اللحظة وقد تتناقض معه في لحظة أخرى.‏

*من كتاب "زمان الوصل"
(201)    هل أعجبتك المقالة (200)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي