عندما قامت الثورة السورية في عام 2011، كان رامي مخلوف لوحده يتحمل ثلاثة أرباع أسباب قيامها..وعندما تدخلت إيران وميليشياتها بعد ذلك التاريخ أصبحت تتحمل لوحدها ثلاثة أرباع أسباب استمرارها، ومع ذلك لم يفعل بشار الأسد أي شيء ليحد من سلطة ذاك أو تلك، من أجل أن يجنب البلاد الدمار والقتل والتهجير والتدخل الخارجي، فهل تريدونه اليوم أن يستجيب لبضعة "صعاليك"، لأنهم باتوا يرون أن الكلاب يعيشون بشكل أفضل منهم..؟!
لقد ثبت لنا بالدليل القاطع الآن، أن المشروع الوحيد الذي كان يعمل عليه حافظ الأسد، بصدق وجدية وحرص واهتمام، ومن بعده ابنه بشار الأسد، هو كيفية حماية النظام وبقائه في السلطة ضد كل العواصف الداخلية والخارجية.. داخليا عن طريق المواجهة والقمع، وخارجيا من خلال الانحناء والاحتواء.. لذلك هو لا يميز في ذلك، أي النظام، بين المؤيد والمعارض، لأنه لا يملك سوى أداة وحيدة وفي اتجاه واحد، لمواجهة أي حركة احتجاج وتذمر داخلي، حتى لو لم تكن لأسباب سياسية.. وكثيرا ما نبهنا في بداية الثورة، من هم أكثر خبرة منا في هذا النظام، أن بشار الأسد، لو خرجت في الشارع ثورة جياع، لواجهها بنفس الأدوات، بالمدافع والطيران والبراميل المتفجرة.. ورغم ذلك، فإن الشعب السوري، حطم أسطورة هذا النظام وأدواته القمعية، التي لم يبقَ منها سوى بعض الكلاب الذين ينبحون هنا أو هناك، على وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، على كل من تسول له نفسه المساس بشخص "السيد الرئيس". اليوم هناك حركة تذمر واسعة في مناطق النظام، ضد الغلاء وانقطاع الكهرباء ونقص الغاز، وارتفاع سعر علبة المتة تحديدا.. ولا تستغربوا، أن هناك قطاعا واسعا من الحاضنة الشعبية للنظام، لم يثيرها كل ما حدث في سوريا ولم يدفعها للتذمر، بقدر ما أثارها ارتفاع سعر علبة المتة..
ومؤخرا كتب عدد كبير من المؤيدين على وسائل التواصل الاجتماعي، وبعد أن وصل سعرها إلى ألف ليرة، أن الحياة في البلد لم تعد تطاق .. أما وسائل إعلام النظام، فقد انقسمت بين من وعد "شريبة" المتة بأن وزارة الزراعة بدأت تدرس زراعتها في سوريا، وأنها وضعتها ضمن خطتها للموسم القادم، كجريدة "الثورة"، وبين من أخذ يتحدث عن أضرار المتة ويستعين بخبراء وأطباء، في أنها السبب الرئيسي فيما يعانيه أبناء المنطقة الساحلية وأهالي السويداء من التهابات مستمرة في المجاري البولية والحصاة الكلسية، كجريدة "البعث".. لكن كل ذلك لم يثنِ أبناء الساحل عن اعتبار ارتفاع سعر المتة في الأسواق خطا أحمر، وأنهم على استعداد للذهاب إلى أبعد مما يتخيله النظام في دفاعهم عن مشروبهم المفضل..وهو الهجرة من البلد برمتها، إلى أماكن أخرى تتوفر فيها المتة بسعر أرخص. هذه هي حقيقة سوريا التي رسم خطوطها العريضة حافظ الأسد ونظامه، حيث إنه لا ثورة مسموح بها في هذا البلد .. حتى لو كانت ثورة ضد ارتفاع سعر المتة.
ترقبوا ثورة المتة..!*

*فؤاد عبد العزيز - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية