على الرغم من التقدم العسكري الأخير لجيش النظام، لكن الحرب تزداد اشتعالاً، فهل نعتبر هذا التقدم انتصاراً فعلاً؟
السبب المعروف والواضح والذي يعرفه الجميع لما يسميه إعلام الأسد بالنصر، وسيطرة النظام على المناطق الثائرة، بعد سنوات من خروجها عن سيطرته، من درعا جنوباً مهد الثورة، إلى حلب، إلى ما يحصل مؤخراً من هجوم دموي على إدلب، هو التدخل العسكري الروسي المباشر، والذي لم يكن لينجزه النظام لولا الدعم الروسي غير المحدود له، ومع ذلك وحتى اليوم لا يلوح في الأفق أي أمل في نهاية سعيدة للحرب السورية، لا لصالح النظام ولا لصالح المعارضة.
فمازلت المعادلة البسيطة المميتة، هي المسيطرة والذي أطلقها الأسد منذ بداية الاحتجاجات وهي البقاء في السلطة بأي ثمن.
أعقبت عمليات الإخلاء العسكري للنظام، من بلدة "حمص القديمة" في ربيع عام 2014 وحلب شرق في نهاية عام 2016 إلى آخر انتصاراتها، تهجير السكان المدنيين وأهل المناطق المسترجعة لقبضة النظام، ونهب منهجي لممتلكاتهم ما أسماه السوريون بالتعفيش.
لكن عمليات القصف المدمر الذي استخدمته قوات الأسد وروسيا على المناطق الثائرة ترك المناطق المحررة مدن أشباح لا أكثر، دمار وهدم غير مسبوق.
ومن هنا فمن غير المنطقي أن يبدأ النظام بما يسميه إعادة إعمار من شأنه أن يسمح بعودة المهجرين دون أي ضمانات من عدم التعرض لهم أمنياَ فما يزال الأسد يلاحق معارضيه فكيف سيطمئن الآن العائدون وهم من انتفض ضده منذ البداية؟
وعلى العكس من ذلك، فإن المرسوم رقم 10، الذي أصدره الأسد منذ عامين وما يزال ساري المفعول حتى اليوم، يجعل من غير الممكن التصديق أن الأسد جاد في دعوة المهجرين للعودة لمناطقهم، فكل ما نراه على أرض الواقع يشير إلى أن النظام لا يعترف إلا على المؤيدين له أو الصامتين تحت وصايته.
ما تزال السياسة السورية ترفض التحاور مع المعارضة وتعتبر أن نجاحاتها العسكرية تعفيها من ذلك، بإصرار شديد على إعادة إخضاع البلاد للقبضة الحديدية ذاتها، كما حصل في سوريا بعيد أحداث حماة في عام 1982.
في مواجهة هذا المنطق المغلق، فإن السوريين المحرومين من أي حق بتقرير مصيرهم السياسي ديمقراطياً داخل سوريا، صوتوا برفضهم لحكمه، باللجوء إلى بلاد الله الواسعة سواء في دول الجوار أو دول العالم أجمع، فقد قدرت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة عدد اللاجئين السوريين بنحو 6.6 مليون سوري، في تموز يوليو/2019 وهو رقم من المحتمل أنه زاد الآن بزيادة 10٪ على مدى السبعة أشهر الماضية.
وتقدر المفوضية ذاتها أن إجمالي عدد السوريين النازحين داخليا هو 6.5 مليون سوري، ما يؤكد أن هذه الانتصارات المزعومة لجيش النظام لم تخلف إلا المزيد من التشرد والنزوح وسوء الأوضاع فأي انتصارات هذه الذي لا تستطيع أن تمنح البلاد ولو قليلاً من الاستقرار، هذا الموقف المأساوي يتوافق تمامًا مع تصميم الديكتاتورية، للتخلص من أي تحد لقوتها المطلقة.
واليوم يتجه الأسد لاستعادة مدينة إدلب معقل الثورة الأخير مزهواً بانتصاره مخلفاً مئات القتلى وآلاف المشردين، ملحقاً الهزيمة في إدلب بأطفال ومدنيين عزل أتوا من كل أنحاء سورية، ذنبهم الوحيد أنهم قالوا لا للأسد وصدقوا المجتمع الدولي فركبوا الباصات الخضراء من كل المناطق الثائرة نحو إدلب.
لم تكن انتصارات الأسد إلا هزائم أخلاقية له، وخسائر فادحة لكل سوريا، وهي دائما تخلف المزيد من الفوضى بعيداً عن أفق الاستقرار المزعوم، أو السلام المنشود، في بلاد مزقتها السياسة الحكيمة تحت شعار "الأسد أو نحرق البلد".
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية