أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

السورنة... د.محمد الأحمد*

أرشيف

من جملة ما أفرزته هذه الحرب القذرة، التي أتت على الأخضر واليابس في وطننا، والتي يتحمل النظام أولاً وزرها، لأنه اختارها بدل التعاطي مع قضية مواطنية عصرية ظهرت بحكم طبيعة الأشياء، إلا أنه اختار البارود.

من جملة ما أفرزه الصراع هو البحث عن الهوية الوطنية، فالبعض يراها في الدين والبعض في الطائفة والعشيرة والبعض في القومية.

فهل بدأت (السورنة) أخيراً تأخذ بعض حقها المهدور في الوعي؟

من أجل فهم هذا الأمر دعونا نعود إلى المفهوم الأصلي للهوية.

أتت كلمة هوية في العربية من الضمير المنفصل هو، ود تتخيلون عبارة / إنه هو / أو هو هو / أو كما نقول بالعامية السورية /هوي بزاتو/، بالمصرية/ هوا بعينو/ لكن القصة هنا ليست لغوية، بل اصطلاحية، والهوية اصطلاحا، أي هويتك الشخصية هي الأشياء التي تميزك عن غيرك، فنعرفك كالإسم والعائلة والمنطقة والوصف..الخ.

أما الهوية الوطنية فهي وإن كانت تضم العناصر التي تميز هذا الوطن عن غيره من الأوطان، إلا أنها أولاً ما هو ثقافي ووجداني وأخلاقي، وهي تلك الأمور المبنية على الأمل المشترك بين هؤلاء البشر.

فإذا حاولنا البحث عن الهوية السورية فإننا سنصل لما هو:

حقوقي، أخلاقي، وجداني، ثقافي، مجتمعي، واقتصادي، وهو الذي يعتبر آلية الأمل الأولى لأي شعب وأي وطن، لا بل والدواء المديد لعلاج آلامه وجراحه.

تاريخياً في قصة الهوية السورية لحظة أساسية، يقال إنها نشأت بتأسيس المملكة السورية 1919، على يد الملك فيصل، لكن الحقيقة أنها ولدت بقوة بالفعل، على يد آباء الثورة السورية الكبرى 1925.. هذه الثورة التي أظهرت مقدار قوة (السورنة) أي الهوية الوطنية السورية، فلقد كانت الفرصة متاحة لمن لا يريد أن يكون في سفينة السوريين، وقد هرب منها قافزاً إلى سفينة أخرى جديدة بعض الجسد السوري (لبنان)، وفيما بعد لواء اسكندرون، ولقد خرج الأول ظالماً وخرج الثاني مظلوماً. لكن قضية الهوية اليوم فيها تحد تاريخي مطلق الجدة لا بل وخطر، يتعلق بذاك العقد النبيل الذي أبرمه الأجداد عام 1925، ونبذوا على أساسه الدويلات الطائفية التي كانت تقترحها فرنسا. فاليوم هناك تحد كبير في قضية الهوية الوطنية لأن البعض يمني النفس بهوية مريضة، ليلقي نفسه –ومن معه – في سفينة أخرى مبنية على أس الخراب المذهبي، فهو وحده أي –المذهب والطائفة – يؤجل البحث والنظر في قضايا العدالة والمهنية والكفاءة والإنسان الغاية، فهل هوية السوريين في خطر؟

نعم إنها كذلك..فاحذروا، فهناك مشاريع يتم تحضيرها لتحويل وطننا إلى ما يعتبر خذلاناً لوصية آباء الثورة السورية الكبرى، ووصيتهم هي الوحدة الوطنية المقدسة، التي لا يتخلى عنها إلا المجرمون.

ولا يمكن بعد الآن الحفاظ على الهوية السورية دون مجتمع ونظام سياسي تداولي، فالإبقاء على النظام الأمني يعني بالضرورة ضرب سكين في قلب الهوية السورية و خيانة عقد الأجداد، وذلك لأن ما هو قائم على أرض الواقع، يخالف بالضرورة محددات الهوية السورية ووحدتها الوطنية.

إن هجرة 10 ملايين سوري وركوبهم الخطر وموت الكثيرين منهم، ستكون مع مرور الوقت طعنة كبرى في هوية (السورنة) ما لم نؤسس جميعاً نظام الدولة المدنية العلمانية الديموقراطية، فمن هجروا وتركوا سورية، تركوها لأن خللاً تاريخاً في العهد تجاه الأجداد صار أمراً واقعاً، وهو أن تعاهدوا وتعاونوا وتحابوا وتكاملوا.

*من كتاب"زمان الوصل"
(194)    هل أعجبتك المقالة (206)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي