أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

على حافَّة هاوية الأسد

من ادلب أمس - جيتي

المطلوب إسقاط النظام بكليّته، ولا فائدة من سقوط رأس النظام، وهذه مصر أكبر دليل.

هذا ما يتردد كثيرا في النقاشات التي لا تنتهي، وأنَّ هذا النظام لا يتوقف على بشار الأسد، والبدائل ستكون على مقاس هذه العصابة، فما أهمية كل هذه التضحيات، وماذا بعد؟ صحيح أن الأنظمة العربية متناغمة في الاستبداد والدكتاتورية والعمالة ونهب الشعوب، لكن تركيبتها مختلفة تبعاً لظروف وعوامل وتاريخ كل بلد. فمصر في 23 من يوليو 1952 بعد الانقلاب العسكري على الحكم الملكي، رسَّخت لحكم العسكر في الذهنية المصرية، من خلال التعليم والإعلام والعصا، والاستشهاد بالتاريخ المصري منذ زمن الفراعنة حتى اليوم، وتصوير هذا السيناريو الفج على أنه حقيقة تاريخية في وجدان المصريين، والمضحك أن زمن الملكية ليس ببعيد، حتى يتم تجاهله وتزويرالحقائق المعلومة التي يتم تشويهها وتحريفها، وإلا فكيف يتوافق الحكم العسكري مع الحياة السياسية وأحزابها وأصواتها الموجودة بقوة وتأثيرها بفاعلية على واقع الحياة السياسية!! وليس المقصود بالمطلق تبني طرف على حساب آخر، ولا الدفاع عن أحد، إنما هي إضاءات تحاول الأنظمة وآلتها الإعلامية طمس حقائقها لشرعنة وجودها بلا اعتراض. ولا يمكن لوم المصريين لتفويتهم الفرصة الديمقراطية بعد ثورة 25 من يناير، وتقلّد أول رئيس منتخب لحكم مصر، فسقوط الرئيس الراحل محمد مرسي، كنت أراه واقعاً حاصلاً لا محالة، في ظل التحكم المطلق بمفاصل البلاد، والجهل بسياسة التغيير المجتمعي لمفاهيم باتت راسخة بعد عقود من الترهيب والتجهيل.

عوداً على سوريا التي لا تزال تنزف حلمها بالحرية، فالتصور مختلف إلى حدّ ما، فالمنظومة العسكرية تحولت باسم الحاكم، كما تحوّل البلد باسمه، فالعقدة هي بشار الأسد، وأبوه من قبل، في تأسيس نظام حكم الفرد والعائلة، بعقلية مافيوية مرتكزة على الأدوات الطائفية، في تراتبية الجيش والأمن، واعتماد التمايز بين مواطن وآخر، وبلد وآخر، المحصور بمن يقدم الولاء والطاعة أكثر وأكثر.

ولهذا كان الخطاب واضحاً من موالي الأسد في الداخل والخارج، وعلى مستوى الحلفاء روسيا وإيران، أن الأسد باقٍ، ولا وجود لسوريا من دون الأسد، فموَّال الوطن والوطنية والسيادة كله مرتبط بالأسد.. (وهل وصل حدّ التأليه، ومن يشك في هذا) !! وما بين قوسين لا بدّ من التعليق عليه لأنني أدرك أنّ ثمّة من يعارضني في زعمي، وهذا حق، لذلك لا بدّ من البيان الذي ينكر كثير منّا حقيقته المؤلمة.
حقيقة أن الأطراف المتصارعة والمتناقضة حول مفهوم الدولة والحرية والمواطنة والعدالة الاجتماعية وسوريا المستقبل، تتفق في أمور جوهرية عميقة كان لها عظيم الأثر في إطالة الصراع.

والحديث عن آل الأسد من جديد، فالطرفان يؤمنان تصريحاً أو تلميحاً أنَّ الأسد باقٍ، وأن العالم مجمِع على بقائه، وأن لا بديل يمكنه قيادة سوريا، وحديثي يتناول الشعور العام لدى غالبية واضحة، خاصة بعد أن خبا حماس جمهور الثورة، وتراجع حلمه في ظل الانكسارات العسكرية، أمام آلة حلفاء نظام الأسد والقوى والمليشيات التابعة له، وأمام الخروقات الأمنية والاستخباريّة، وصعود الإيدلوجيات الدينية المتشددة والصراعات البينيَّة، ثم حملات التشويه المستمرّة في أبناء الثورة وجيشها الحر، وهذا من تداعيات إطالة الثورة التي عمل عليها نظام الأسد أيضاً.

لا أقول أبداً بأن سقوط رأس النظام هو نهاية الأزمة السورية، فسوريا نالت من الجروح والشروخ والأوجاع ما لا يُطاق، وفي هذا سيكون لجميع السوريين أدوارهم، في البناء والتنمية والعمل الشاق والطويل في المجالات المختلفة، الإنسانية منها والعلمية والتقنية.

لكن سقوطه بلا تردد يعني سقوط نظامه، وأشبه الأسد بعقدة الصرّة، إذا حُلّت عقدتها نثرت ما فيها، وانكشف مستورها وعيوبها. وإلا ماذا نسمي انقسام الولاءات في جيش نظام الأسد بين من يؤيد روسيا ومن يوالي إيران، إلا محاولات تدارك فُجائية انتهاء بشار الأسد، والخشية من الانهيار، ومن المصير المحتوم، أمام المحاكم الدولية، والمحاكم الثورية، لأي سبب كان طبيعياً أو فرضاً للإرادة الدولية في إنهاء دور نظام الأسد.

والحاصل حتى الآن، لا أتصور أهميته في لعبة الهروب من العباءة الواحدة، فما زال بشار الأسد رغم ضعفه على مقدمة كل هذه الأطراف، وتحت شرعنة وجوده في رأس السلطة. فمحورية الأسد سبب بقائه من جهة، وسبب إنهاء نظامه وتفكك جيشه وشبكته الأمنية من جهة أخرى، ولهذا فمؤسسة الجيش في سوريا منذ انقلاب البعث، وتفرد الأسد الأب في السلطة، عمل على تفكيك بنية الجيش، الذي حافظ منذ تأسيسه في الأول من آب سنة 1945، وتسليم ملاك قطعاته من دولة الانتداب الفرنسي إلى الحكومة السورية، والذي كان معظم أفراده ملتحقين عملياً بصفوف الحركة الوطنية منذ صدور المرسوم القاضي بتحديد ملاك الجيش السوري، من القطعات النظامية والاحتياطية، ومن جميع فئات الشعب السوري ومدنه وقراه في الحادي عشر من تشرين الأول سنة 1945.

وعلى الرغم من تحييد الجيش السوري عن الحياة السياسية، إلى جيش يهتم بالأعمال الحربية فقط، في فترة الوحدة مع مصر، بقرار من عبد الناصر وقتها، والتي كانت، بتصوري، النكسة الأولى والتمهيد الأهم لتحول الجيش من جيش سوري وطني إلى جيش عقائدي، بعد استيلاء البعث في آذار 1963 إلى جيش عقائدي طائفي، في عهد استيلاء حافظ الأسد على السلطة، لتكون هذه المؤسسة تحت الأمر في حماية النظام ومكتسباته فقط، وتوجيه إمكانياته وفوّهات سلاحه على السوريين، والشهود نحن، الذين نعاني حتى هذا اليوم حربه الدائرة فوق رؤوسنا.

محمد الحموي كيلاني - مساهمة لزمان الوصل
(164)    هل أعجبتك المقالة (179)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي