صفقة القرن.. "ماذا يدعى استمناء الوضع العربي أمام مشاريع السلم"*

من أجل 50 مليار دولار نصفها قروض، وستقبص مصر 9 منها، فيما تحصل الأردن ولبنان (التي لم توافق أصلا) على 13.5 مليار، ظهرت أخيراً تفاصيل "صفقة القرن" التي هندسها جاريد كوشنر وبعض قيادات المنطقة التي لم يجر الإفصاح عن أسمائهم بعد وإن كانت ثمة دلالات على هويتهم.
الإعلان جرى بالخطوط العامة من قبل الرئيس الأمريكي، وبالتفاصيل عبر 181 صفحة نشرها الموقع الرسمي للبيت الأبيض، وهي بالمجمل ليست خطة سلام وحلّ عادل للقضية المركزية في المنطقة، وإنما مشروع اقتصادي أمني هزيل يرسخ سيطرة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية، وينسف حل الدولتين بالمطلق وفكرة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.
يعرض ترامب خارطة مساحات جغرافية يربط جزئيها من بقايا الضفة إلى غزة نفق تحت الأرض، وتقام عليها دولة منزوعة السلاح، وتقول الخطة إن عاصمتها مساحة غير محددة في القدس الشرقية، وهي على الأغلب منطقة "شعفاط"، فيما تحصل إسرائيل على القدس غير مجزّأة، كما تحصل على امتيازات ضم مناطق من الضفة ومبادلتها مع أراض يبدو أنها مساحات من مناطق ميتة جغرافيا واقتصاديا، كما تحمل الخطة من خلال شرعنة هويتها الدينية، مخاطر إمكانية تهجير عرب 48 في خطوات تالية، وإلحاقهم بأراض تتبع لكيان ممزّق يسمّى "دولة" فلسطينية.
إضافة إلى ما سبق تكون الصفقة مناسبة لإلغاء حق العودة، وضم الجولان السوري المحتل، وغور الأردن، لتنسف كل قضايا الحلّ النهائي المؤجلة، وكل قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.
تلك وصفة لتصفية القضية الفلسطينية عن آخرها كما يعتقد ترامب المأزوم في قضايا داخلية، وبنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتهية ولايته والمتهم بالفساد.
ثالثة الأثافي أن يحضر حفل إطلاق الصفقة سفراء الإمارات العربية والبحرين وعمان، في إشارة إلى جهات الدعم التي تحدث عنها ترامب ولاقت ثناء نتنياهو، وإذا كان ثمة مصلحة سياسية مشتركة للثنائي الطامح لفترة حكم جديدة في تل أبيب وواشنطن، فما معنى أن يتداعى العرب إلى حضور حفل إطلاق الصفقة التي لم يجر التنسيق فيها مع الفلسطينيين أنفسهم، بما يؤشر إلى أن العرب يطلقون النار على القضية التي حملتهم سياسيا سبعين عاماً.
لا شكّ بأن مكاسب سياسية ستحصل لإسرائيل من هذا الإعلان حتى ولو كانت الخطة مستحيلة التنفيذ، لكنّ سؤال المليون هو، ماذا سيقول مجلس الجامعة العربية الذي سيجتمع بعد ثلاثة أيام، هل ترفض مصر الخطة ومعها سلّة المليارات، وهل يصدر إعلان مشترك بالتمسك بمبادرة السلام العربية التي أطلقها الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز من بيروت عام 2004، أم أننا سنشهد جلسة لممثلي أنظمة متخثّرة نامت على شعوبها.
لا تبدو "صفقة القرن" سوى استغلال لمرحلة دقيقة تعيشها المنطقة، إذ ترزح الشعوب تحت أنظمة قادت هجوما عكسياً على رغبة الملايين بالتحرر من فكرة الدّولة الأمنية الأبدية، وإذا جرى الضغط أكثر باتجاه إجبار هذه الشعوب على قبول سلّة من الخيارات المذلّة ومنها بيع القضية الفلسطينية بواردات شهر واحد من النفط فإن الشرق الأوسط برمته سيشهد ردّة راديكالية سيصل صداها أرجاء العالم، إذ بمثل هذه السياسات يتمّ طبخ صراعات أكبر.
لا نعلم بعد إن كانت حكومات الدول العربية قادرة على قراءة واستيعاب ما تتضمنه صفقة الـ 181 صفحة وإطارها السياسي والاقتصادي، وأبعادها الأمنية، وما الذي ستناقشه طالما أن بين ظهرانيها من يسير في السياق بل من يجري الحديث عن كونه جزءا أساسيا في الصياغات والتخطيط.
حتى اللحظة ـ حسب المعلوم ـ جرى تقديم مهلة 4 سنوات، وكأنها عملية قيست وفق الطموحات السياسية للثنائي ترامب ـ نتنياهو، ولعل الاسم الأنسب لها هو صفقة "الولاية الثانية"، وخلال الفترة القادمة سيبدّل الكثير من المسؤولين العرب ملابسهم، فمرة سيخرجون علينا بزّيهم التقليدي وعلى أكتافهم أعلام فلسطين مطرّزة بالكوفية، وأخرى بالبدلة الرسمية، وثالثة بـ"طاقية الإخفاء"، وصولاً إلى صورة رسمية بـ"الكيباه" أمام الجدار لا خلفه.
*علي عيد - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية