وفق جميع الأعراف والقواعد الاقتصادية فإنه لا يمكن لدولة لا يتجاوز رصيدها من العملة صعبة سوى 17 مليار دولار، وناتجها المحلي الإجمالي، نحو 60 مليار دولار، أن تقود حربا شعواء على شعبها، بشتى الأسلحة الثقيلة والخفيفة، وعلى مدى أكثر من ثماني سنوات، دون أن يؤدي ذلك إلى انهيار اقتصادها بشكل كامل، ومنذ السنة الثانية على الأقل.
إلا أن النظام السوري، ورغم فقدانه لكافة موارده الإنتاجية، من نفط وزراعة وسياحة واستثمار، في فترة مبكرة من العام 2014، فإنه لا يمكن القول إنه يشهد انهيارا اقتصاديا كبيرا وشاملا، وذلك بالمقارنة مع الحصار الذي يعانيه وحجم الحرب التي أعلنها على الشعب السوري، فمن أين مول النظام كل مصروفات هذه الحرب، والتي تقدر تكلفتها بأكثر من 150 مليار دولار ..؟ ناهيك عن الخسائر الاقتصادية المباشرة التي سببتها، والتي تقدر بمثل هذا الرقم أو أكبر منه..؟
يشير البعض إلى أن إيران لعبت دورا كبيرا في تمويل هذه الحرب، ويتحدثون عن أرقام بحدود 20 مليار دولار، قدمتها إيران للنظام بشكل مباشر، وأسهمت، ليس في تمويل الحرب فحسب، وإنما بمنع اقتصاده من الوقوع.. لكننا نرد على هؤلاء، بأن هذا الرقم زهيد، قياسا لأرقام تكلفة هذه الحرب، ومن جهة ثانية، فإن إيران بحد ذاتها تعاني من أوضاع اقتصادية صعبة وانهيار في عملتها، جراء الحصار، وكان الأولى بها أن تنجد نفسها، وليس النظام ..؟
وهناك آخرون يتحدثون عن دور رجال الأعمال في تمويل هذه الحرب، بالإضافة إلى دعم خفي لبعض دول الخليج العربي، في إشارة للإمارات والسعودية، لكن الأرقام التي يجري تداولها لا تتعدى 3 مليارات دولار، بينما دول الخليج قاطبة كانت قد دعمت العراق الغني بموارده النفطية في حربه مع إيران، وبعشرات مليارات الدولارات، ومع ذلك لم يمنع هذا الدعم، الاقتصاد العراقي من الوقوع والانهيار، بعد انتهاء الحرب في العام 1988.
إذا، تعود للسؤال في المقدمة: من أين مول النظام السوري حربه على الشعب السوري..؟ يغفل الكثير من المتابعين والمراقبين، مرحلة جدا مهمة في الوضع السوري، وهي المرحلة التي سبقت الغزو الأمريكي للعراق بسنتين أو ثلاثة، حيث عمد الكثير من المسؤولين العراقيين، إلى إيداع أموالهم في سوريا، والتي كانت تقدر بنحو 160 مليار دولار، وهي أموال حاولت الحكومة العراقية استردادها، بعد الغزو الأمريكي وسقوط نظام صدام حسين، حيث زار إياد علاوي سوريا وطالب بالكشف عن حجمها، إلا أن النظام السوري في ذلك الوقت، لم يعترف سوف ببضعة مليارات، لا تتجاوز الـ 5 ، ثم جرى حديث عن أن الحكومة العراقية استردتها..ويفسر الكثير من المراقبين والمحللين، سلوك الانفتاح الذي أعلنه النظام السوري، عند تولي بشار الأسد للسلطة في سوريا في نهاية العام 2000، وبعد العام 2004، بأنه كان محاولة لغسل هذه الأموال وإدراج بعضها ضمن الاقتصاد السوري، وذلك عندما أعلن عن تحويل أموال النفط السوري إلى الموازنة العام للدولة، وذلك لأول مرة منذ العام 1976..
بينما كان البنك الدولي يقف بالمرصاد له، ويقوم بعمليات الكشف الدوري على أرصدة المصرف المركزي، لدرجة أن أحد المصادر المقربة، يشير إلى أنه لدى إعلان النظام عن وجود أرصدة لديه بالعملة الصعبة، بنحو أكثر من 10 مليارات دولار في العام 2005، قام وفد من البنك الدولي بزيارة سوريا، وطالب المصرف المركزي بالكشف عن موارد هذه الأموال.. حيث كانت هناك الكثير من الشكوك، بأن النظام السوري يخفي أموال المسؤولين العراقيين، ويظهرها بين الفترة والأخرى، على أنها نتائج لنشاطه الاقتصادي.
وروى لي مصدر مطلع، أن الخطة الجهنمية التي خرج بها بشار الأسد، لغسيل الأموال العراقية، كانت متضمنة بخطة الإنفتاح الاقتصادي ذاتها التي أعلنها، عبر السماح بالنشاط المالي الخاص، تحت عنوان الاستثمار، ومن ثم دعوته لجميع رجال الأعمال السوريين في شتى أنحاء العالم، للعودة إلى سوريا والاستثمار فيها، وما نتج عن ذلك من تحالفات، بين رأس السلطة وهؤلاء الرجال، حيث يرى هذا المصدر، أن الهدف من ذلك كان بالدرجة الأولى، لغسيل أموال المسؤولين العراقيين، مشيرا إلى أن الكثير من رجال الأعمال الذين عادوا، أصبحوا بين ليلة وضحاها يمتلكون مشاريع واستثمارات لا تتناسب وحجم ثرواتهم، الأمر الذي يمكن تفسيره، بأن هذه الأموال كانت من النظام، من أجل أن تعود نتائج أعمالها على زيادة أرصدة المصرف المركزي، بالإضافة إلى تشغيل هذه الأموال والاستفادة منها في إحكام القبضة على الشعب السوري .. وهو ما بدا جليا بعد العام 2006. كما يستدل هذا المصدر، بإعلان النظام بعد العام 2004، بفتح باب القروض لمن يشاء، حيث صرح وزير المالية في ذلك الوقت ونائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية "عبد الله الدردري"، بأن لدى المصارف العامة كتلة نقدية تقدر بأكثر من 5 مليارات دولار، وبأنها ترغب بتشغيلها في عمليات القروض والتنمية الشعبية، حيث يتساءل هذا المصدر: من أين جاءت هذه الأموال الفائضة، بينما قبل بضعة سنوات قليلة، كاد النظام أن يشهر إفلاسه..؟ بكل الأحوال، فإن نظرية أن بشار الأسد ونظامه، قاموا بسرقة أموال المسؤولين العراقيين، وأنهم فيما بعد قاموا إنفاقها على تمويل حربهم على الشعب السوري، تستحق التأمل فيها...
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية