أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الليرة تأكل أبناءها... مزن مرشد*

المفارقة أن هذا الشعب الجبار يمرر أزمته بالنكات تارة والاستهزاء منها حيناً آخر

مع ادعاء الأسد بإحراز الانتصارات العسكرية واستعادة الأراضي المحررة لقبضته، يضيّق الخناق على مؤيديه اقتصادياً، فيكاد السوري الذي يعيش في الداخل، أن يموت جوعاً بحرفية الكلمة وليس مجازاً.

حين يطلب النظام من مؤيديه الصبر، يعيش هو وأعوانه حياة الترف والرفاهية، غير مكترث بما يعانيه المواطن المسحوق تحت وطأة الأسعار وتكاليف الحياة التي تتطلب أربعة أضعاف دخله الحالي كي يعيش عيشةً دون الوسط.

والمفارقة أن هذا الشعب الجبار يمرر أزمته بالنكات تارة والاستهزاء منها حيناً آخر، فمن المضحك المبكي أن تقرأ نكتة تقول "السوري في خطر الإصابة من الإصابة بمرض السكري لكثرة تحليه بالصبر".

المفارقة الأكثر مهزلة في هذه البلاد التي يدعي حاكمها بأنها بلد قوي يستطيع تجاوز العقبات مهما بلغت صعوبتها، ويتفاخر بذلك، ما إن بدأ الحراك في لبنان وبدأت أزمة البنوك هناك، حتى تهاوى سعر الليرة السورية إلى حد غير مسبوق، فكلنا نعلم أن النظام المصرفي السوري كان دائماً مقيداً بقوانين لا تسمح له بالتحويل لخارج البلاد، فأصبحت البنوك اللبنانية رئة التجار السوريين، التي تسهل عليهم التعاملات المصرفية في التعاملات المصرفية الخارجية، وفي الفترة الأخيرة ومع تضييق العقوبات الأوروبية والأمريكية على سوريا كانت المصارف اللبنانية هي النافذة التي استعملها رجال الأعمال السوريون للتحايل على العقوبات التي أزالت القطاع المصرفي السوري من الدائرة المالية الدولية.

لقد وضعوا مليارات الدولارات في البنوك اللبنانية التي سمحت لهم بإجراء المعاملات التجارية واستيراد المواد من خارج البلاد.

كما قامت البنوك اللبنانية أيضاً بحمل مهمة التحويلات بالدولار التي أرسلها المغتربون السوريون إلى عائلاتهم داخل سوريا والتي توقفت هي الأخرى بعد أزمة المصارف اللبنانية الأخيرة.

منذ أوائل نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، فرضت البنوك اللبنانية قيودًا صارمة لتقنين عمليات سحب الدولار، فأصبح يتم تحويل التحويلات المالية الأجنبية إلى مبالغ صغيرة والسحوبات النقدية من أجهزة الصراف الآلي أو أجهزة الصراف الآلي محدودة للغاية.

ولا ننسى أن مئات الآلاف من السوريين العاملين في لبنان كانوا مصدراً رئيسيا لدخول الدولار إلى السوق السورية، وقد انخفضت هذه التدفقات بشكل كبير منذ بدء الحراك اللبناني في 17 أكتوبر/تشرين الأول، مما زاد الطلب على الدولار في سوريا، فتسبب في انخفاض قيمة الليرة السورية بشكل كبير، وهذا بالضبط ما حصل في لبنان أثناء الحرب اللبنانية وهوى بسعر الليرة اللبنانية إلى الحضيض.

النقص الكبير بالقطع الأجنبي في سوريا كان له العديد من التداعيات السلبية على حركة الاستيراد وانحصرت المستوردات من لبنان، ومن الضروريات الأساسية فقط مثل البنزين والدقيق والأدوية، كما زادت حركة التهريب الذي ساهم أيضاً بتفاقم أزمة القطع.

وكانت النتيجة الطبيعية لهذا النقص وتدني سعر الليرة السورية هو ارتفاع الأسعار وتآكل القوة الشرائية للسوريين، الأمر الذي بات يهدد بمجاعة حقيقية في سوريا لم تشهدها البلاد منذ الحرب العالمية الأولى.

ورغم كل ذلك ما زال النظام مصراً على الانفصال عن الواقع، وبعد تسع سنوات ونيف من الثورة السورية والحرب التي أكلت البلاد ما زال يظن أن القبضة الحديد هي الوحيدة القادرة على حمايته على عرش ما تبقى من البلاد فمنع الحديث عن الدولار بمرسوم جمهوري في محاولة إعادة الرعب لحياة السوريين التي لم يعد يكفيها ما فيها من قهر.

وتظهر مستشارة الرئاسة لشؤون الإعلام بثينة لتعلن للعالم بأن الاقتصاد السوري الآن أفضل بخمسين مرة مما كان عليه في عام 2011، ولتخترع نظرية اقتصادية جديدة تبرر ارتفاع سعر الدولار غلاء المعيشة يعجز عن تفسيرها عتاة الاقتصاديين في العالم.

كيف لا ترى شعبان أن الاقتصاد في تحسن مستمر وهي التي تزيد ثروتها في كل عام من الحرب أضعاف ما كانت عليه في العام السابق، بالنهاية مقياس المسؤولين جيوبهم وليس جيب المواطن.

والمفارقة الأكثر غرابة بالنسبة لي كانت الموجة التي أطلقها الموالون بحملة ليرتنا عزتنا، فكيف يقتنع من يتابع ويعرف ما يحصل في سوريا يا سادة أن "ليرتنا عزتنا" ومئات السوريين لا يجدون ما يقتاتون إلا في حاويات القمامة.... كيف تكون "ليرتكم عزتكم" ومسؤولوكم يعيشون كل الرفاه والبذخ (وبالدولار) وأنتم تعيشون تحت خط الفقر بدرجات ... كيف تكون "الليرة عزة" وهي التي لا تستطيع شراء حبة قمح واحدة .... كيف تكون "ليرتنا عزتنا" ونصف الشعب السوري لا يستطيع تأمين خبز يومه ...إلى متى سيبقى السوري صابراً وإلى أي مدى سيبقى قادراً على الصمود في هكذا وضع لم يعد فيه الموقف السياسي مهماً ولا اصطفافه ولا معارضته أو موالاته لها أي دور مع عدم قدرته لتأمين لقمة واحدة تسد رمق أسرته.

ثم يخرج سوريون آخرون رافعين شعار "بدنا نعيش" وفقط نعيش، متناسين كل الموت والتضييق والظلم والقهر، وهم يدركون تماماً أن سبب ما يعانونه من جوع، هو من ورث كرسي البلاد وما يزال الرعب عندهم سيد الموقف فليس مهماً من مات ومن سيموت وليس مهماً من تشرد أو سيتشر... المهم أن نعيش.

*من كتاب زمان الوصل
(198)    هل أعجبتك المقالة (214)

محمد الجنابي

2020-01-25

يا سلام عليكي يا أستاذة والله صرت استنى مقالاتك لأنها بتفش القهر.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي