أرسل لي مواطن سوري رسالة يقول فيها: دكتور محمد أنت كتبت على صفحتك بالأمس عن رجل يسأل طفلاً سورياً (شو بيشتغل البابا عمو)؟ فكان جواب الطفل بابا بيشتغل شهيد !! .
عندما قرأت منشورك كان شعوري خليطاً بين الحزن والغضب، لكن مع ذلك تمنيت أن يكون هذا الولد إبني ! .. أتعلم لماذا ؟
لأن أولادي لم يذوقوا اللحم منذ عدة أشهر.
ابنتي الكبيرة في الجامعة، هي متفوقة و قد دخلت كلية الطب، ولكني لا أقدر على تأمين متطلباتها الدراسية، وأنا موجوع في أبوتي، وهي تقول لي في كل صباح بأنها ستترك الكلية، وتعمل في (بالة) لمساعدتي، وأنا أشعر بغصة في قلبي !. فأجيبها بأن أخاها قد ترك مدرسته الثانوية، وهو يساعد في البيت ! إلا أنها تجيبني على الفور: أعلم يا أبي ولكن راتبك وراتبه لا يكفيان لنصف الشهر ... قل لي بالله عليك يا دكتور انصحني هل أسمح لها بترك كلية الطب؟! فيضيع مستقبلها ؟...
لكم زاد هذا الأب في همي عندما قال بأنه يثق برأيي، وسوف يعمل بنصيحتي، رسالته كادت تكسرني، وعدت لتذكر القصف والدمار والخراب في إدلب و حمص وريف الشام وحلب، و(حديث بثينة شعبان بأن الحال الاقتصادي أحسن بخمسين مرة)!! لكن في هذه المرة جاء من يحملني مسؤولية مستقبل إنسان، فقلت له: لا تسمح لها بترك الدراسة أبداً حتى و لو ذهبت للمحاضرات بلا مستلزمات الدراسة، سيتغير الحال صدقني.
عندما انتهيت من الحديث إلى هذا الرجل، تذكرت أن كل طفل قضى تحت القصف، أو غرقاً في البحر، أو ظلماً في هذه الحرب القذرة، يحملنا جميعاً مسؤولية الجهر بالحق أولاً، والصراخ في وجه سلطة لا ترعوي، ولا تشعر بمأساة شعبها أياً كان نوع هذه المأساة، فأنا لم أجد في عمري لا بالمشاهدة ولا عبر القراءة المتأنية لتاريخ الأمم والشعوب سلطة ساعدت أعداء الوطن كما فعلت السلطة السورية، بعدم اعترافها بالحقيقة أولاً!! واستمرارها في تعطيل كل محاولة سياسية سلمية – آخرها اللجنة الدستورية - لتجنب الموت والدمار، والذهاب إلى صناعة وطن جديد للجميع ! فلقد تعلمنا وعلمنا طلابنا بأن للسياسة أبجدية وعلى السياسي أن يخوض كل حروف الأبجدية متجنباً الحرب، فكيف إذا كان الأمر حرباً داخلية لا يتجاهل وجودها المبصر ولا البصير. فلا تزال السلطة السورية حتى اللحظة تتجاهل المجاميع الوطنية السورية، التي قالت لها: لا ! وقد كان بإمكانها فعل الكثير لتجنب الكارثة، فكنا أمام أكبر كم من البارود وأمام سياسة صفرية في الداخل والخارج.
في درعا اعتبرت الأمر مؤامرة ! و في حمص مؤامرة، وفي الدير والساحل وحماة وإدلب وحلب مؤامرة وعند الشقيق الكردي مؤامرة، وفي السويداء مؤامرة، أي تجاهل هذا الذي صنع كارثة لا تفرح إلا الأعداء؟ فما الذي يفرح إسرائيل أكثر من هذه السياسة؟؟!
في بداية الحدث كنا نمارس الرمزية في الحديث، في ممرات ومكاتب الجامعة، وأغلبنا كان يفعل، بسبب السياف القاتل ولأننا نعرف أنه لا يفهم الرمز، وكلنا كنا نقول: السياسة مثل تقليم الشجر وتقليم الشجر فن ومن لا يعرف كيف يقلم الشجرة يذبحها، وسوف يقص حتى الغصن الذي كان يجلس عليه.
فأهلاً بك يا مؤامرة، لك صدر الدار، ولنا الأمهات الصابرة.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية