أن تعيش حريتك شيء جميل والأجمل أن تبني أسرة قادرة على الاندماج في المجتمع الجديد دون أن تفقد ما لديك من قيم حملتها من بلدك الأم، قيم تجعلك سفيراً لبلدك الذي ينتظر يوماً ما أن ترفده بأبناء مخلصين أوفياء أقوياء".
بهذه الكلمات المعبّرة علقت رئيسة نادي قضاة سوريا "إيمان شحود" على تفاقم حالات الطلاق في أوساط اللاجئين السوريين في السويد بسبب ظروف اللجوء وتباين الأنظمة والقوانين السائدة بين سوريا والسويد، مضيفة إن الاتهامات بخصوص حالات الطلاق غالباً ما يشير إلى مسؤولية المرأة، ولكن إذا نظرنا إلى حالات الطلاق في سوريا في السنوات التي سبقت الثورة نرى ارتفاعاً في نسب الطلاق وازدادت النسبة بعد الثورة بسبب تغير الظروف الاجتماعية والضغط النفسي، وبخاصة بالنسبة للاجئين الذين خرجوا إلى الدول الأوروبية.
ولفتت "شحود" التي عملت مستشارة قضائية في كل من حلب وإدلب قبل سنوات الحرب في حديث لـ"زمان الوصل" إلى أن هناك عوامل أخرى ساهمت في تفشي حالات الطلاق في أوساط اللاجئين في السويد ومنها مساحة الحرية التي أُتيحت لهم بالتخلص من بعض الزيجات التي تمت قصراً ربما، وأن يعيشوا بشكل منفصل عن هذا الإجبار والضغط اللذين كانوا يعيشون فيها، ومن أسباب هذه الحالات -كما تقول- الطمع المادي فالزوج يريد أن يبقى مسيطراً على المساعدات المادية التي تحصل عليها الزوجة، بينما أتاحت الظروف الجديدة لها الحصول على جميع المساعدات المادية التي تقدم من الدولة، وعادة ما يحصل خلاف بين الزوجين في هذه القضايا يؤدي إلى مشاكل قد تفضي إلى الطلاق.
واستدركت محدثتنا أن "المناخ الاجتماعي في أوروبا أتاح للمرأة أن تعيش حياتها بشكل مستقل إذا كانت مطلقة، ومن السهل أن تربي أولادها ويكون لها منزلها الخاص والحصول على ضمان اجتماعي والأمان والعيش بعيداً عن سلطة أي رجل، بينما لا زالت المجتمعات العربية ومنها المجتمع السوري -كما تقول- لا تتقبل أن تعيش المرأة المطلقة بمفردها أو مع أبنائها بشكل مستقل، بعيداً عن الإشاعات والأقاويل وقيود المجتمع، بينما المناخ الاجتماعي وقبول المجتمع للمرأة المطلقة وإيلائها كامل الضمانات والحقوق في أوروبا شجعها على طلب الطلاق واختيار العيش بشكل مستقل سواء مع أبنائها أو بدونهم بدلاً من أن تعيش في جحيم الخلافات.
ونوّهت محدثتنا التي تعاطت مع الكثير من السوريين في نطاق عملها إلى أن بعض حالات الطلاق في أوساط اللاجئين والمهاجرين في أوروبا هي حالات شكلية للأسف، وربما تكون هذه الحالات -كما تقول- نوعاً من الاحتيال على الدول المضيفة، وهو أمر لمسته بشكل مباشر حيث يتفق بعض الأزواج، فيما بينهم على حدوث الطلاق وربما تسجيله في الدولة، لكنهما في الواقع يكونان غير مطلقين من أجل الحصول على منزلين منفصلين للزوجة مع أولادها وللزوج، وحصولهم على رواتب وضمانات إضافية وغيرها، وهذا النوع من الطلاق -حسب قولها- يعكس حالة من الجشع والطمع والالتفاف على قوانين البلاد، ليزيدوا من دخلهم للأسف.
وحول إجراءات الطلاق المتبعة بالنسبة للاجئين السوريين في السويد أوضحت الحقوقية المتحدّرة من ريف إدلب أن أي طرف يرغب بالطلاق يمكنه التوجه إلى أقرب محكمة وتقديم طلب بهذا الخصوص تتم معالجته كأي إجراء روتيني وتثبيته في القيود الرسمية، وإذا كان الزوجان مسلمين يقومان بتثبيت طلاقهما عن طريق رجل دين (مخالعة) بعد التلفظ بألفاظ الطلاق، ويحق للمرأة الحصول على منزل مستقل تنتقل لتعيش فيه مع أولادها على الفور، وغالباً ما يكون هذا المنزل في مكان غير معروف للزوج الذي يؤخذ منه تعهد بعدم التعرض للزوجة أو مضايقتها، ويكون الأولاد كما في البلدان العربية في حضانة الأم طالما هم دون سن الحضانة.
وأضافت القاضية التي تعيش في السويد منذ سنوات أن القاعدة الرئيسية هي أن يكون للأبوين الحضانة المشتركة وأن يقوموا سوية باتخاذ قرارات بشأن الطفل على سبيل المثال أين يسكن، لأي مدرسة يذهب، استصدار جواز سفر أو تقديم طلب للجنسية. إلى آخره..
وإذا فشل الأبوان في اتخاذ قرارات مشتركة أو الاتفاق حول الطفل عندها يضعا أمرهما في يد المحكمة التي تحكم إما أن تبقى الحضانة مشتركة إذا رأت المحكمة أن النزاع أمر عابر أو أن تعطي الحضانة الفردية لأحد الطرفين إذا وجدته أنه هو الأفضل في اتخاذ القرارات.
وبدوره أشار الأمين العام لتجمع العدالة الحر القاضي "محمد نور حميدي" إلى أن هناك عوامل عدة وراء انتشار حالات الطلاق في أوساط اللاجئين في بلاد المهجر فحالة القوقعة التي كانت تعيش فيها المرأة في مجتمعنا، وتسلط الرجل ساهمت في تعميق هذه الظاهرة، إذ باتت المرأة تشعر لدى انتقالها إلى المقلب الآخر من العالم بأن لها حقوقاً وحرية تعادل حرية الزوج، ومن هنا تبدأ الخلافات بين الطرفين مما يؤدي أحياناً إلى وقوع حالات طلاق.
وأردف "حميدي" أن انتقال العائلة السورية من حالة مجتمع شبه مغلق إلى حالة مجتمع مفتوح وإتاحة الحرية المطلقة، وكل ما يرغب به الشخص بعيداً عن القيود والعادات والتقاليد والموانع الدينية والاجتماعية، علاوة على الاكتفاء المادي وعدم التبعية الاقتصادية التي تعطي السلطة المطلقة عادة بين التابع والمتبوع، وحصول المرأة على دخل، كل هذه العوامل بعثت في داخل المرأة روح التحدي والشعور بأنها لا تقل بشيء عن الرجل مما يمهد لخلافات عميقة قد تؤدي غالباً إلى الطلاق.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية