أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الاستعراض في مواجهة انخفاض سعر صرف الليرة*

كان الجمهور فيما سبق يتماهي مع نوعية الأفلام التي يحضرها في السينما، فإذا ما كان الفيلم الذي يحضره هنديا، كنت تجد الشباب في الشارع يغنون هندي .. أما إذا كان الفيلم كاراتيه، فكنت تجدهم بعد أن يخرجوا من السينما، يسحبون "بوزات" في الشوارع، مقلدين بطل الفيلم الصيني، في جميع حركاته، بما فيها "المواء" إذا كان الفيلم لـ "بروس لي".

وهذا ما يحدث حاليا في موضوع مرسومي بشار الأسد اللذين أصدرهما قبل يومين لمواجهة انخفاض سعر صرف الليرة السورية، ويتضمنان عقوبات وغرامات شديدة على كل من يتداول سعر صرف مغاير لسعر المركزي، أو يتعامل بالدولار، حيث إنه منذ صدورهما، وجميع المسؤولين، من رئيس الحكومة ونازل، يسحبون "بوزات" كاراتيه على وسائل الإعلام، ثم يتخذون وضعية "الرفس"، بانتظار من سيخالف هذين المرسومين.

موضوع انخفاض الليرة السورية، يا شباب، لا يمكن معالجته على هذا النحو "العنفي" أو الاستعراضي.. وحتى لو كان عقل رئيس الجمهورية "مطقطق"، فإنه لا يفترض بباقي المسؤولين، وبعضهم يملك شهادات عليا في الاقتصاد، أن ينساقوا خلف طريقته في معالجة الأزمات.. ولعل ذلك ما أوصل البلد برمتها إلى هذا المستوى من الانحدار، ليس على صعيد الدمار والتهجير والقتل فحسب، وإنما حتى على صعيد العقل والتفكير .. فالمراقب من بعيد، أصبح يظن بأن أركان النظام والدولة، جميعهم "مهابيل"..

دعونا في البداية نتساءل، ما سر هذين المرسومين..؟ وهل بالفعل أن بشار الأسد وأركان نظامه، يعتقدون بأنهما سوف يؤديان إلى ارتفاع سعر الصرف، ومحاربة المضاربين، والمؤامرات الخارجية، وكل من تسول له نفسه، الطعن في الاقتصاد الوطني؟

هذان المرسومان، كان يوجد ما يشبههما في سوريا، خلال فترة الثمانينات وحتى منتصف التسعينيات من القرن الماضي .. لكن من أصدرهما في تلك الفترة، هو حافظ الأسد، لمواجهة الحصار الاقتصادي كهدف معلن، ولتعويض عمليات النهب التي قام بها شقيقه رفعت الأسد، والتي أدت إلى إفلاس خزينة الدولة، من جميع العملات، الصعبة والسهلة.. وهو قرار في وقتها، لم يؤد إلى ارتفاع سعر صرف الليرة، وإنما حافظ على استقرارها، بعد أن فقدت عشرة أضعاف قيمتها، بالمقارنة مع بداية الثمانينيات .. كما أن ظروف إصداره في تلك الفترة، تختلف كثيرا عن الظروف الحالية، إذ إن بشار الأسد، لم يفقر البلد من جميع العملات ومواقع الإنتاج، وإنما أفقرها حتى من الأمل.. والأمل عامل مهم في كثير من الأحيان في بناء الإنسان والاقتصاد والوطن، بل إنه ضروري في حالة مثل سوريا ..

كان حافظ الأسد ، ديكتاتورا وجزارا وسارقا بنفس الوقت، لكنه ترك للشعب السوري بعض الأمل، الذي جعلهم يسبحون "بوزات" في الشوارع، ويتخيلون أنفسهم أبطالا حالمين، ويغنون بالهندي..

أما بشار الأسد، فحتى الأحلام صادرها من الشعب السوري، ولم يدع لهم سوى الخراب والقرف واليأس من النهوض من جديد..أما بالنسبة للذين يسألون عن جدوى هذين المرسومين، ومدى تأثيرهما على سعر الصرف، فنقول، إن بشار الأسد دائما يأتي متأخرا بالقرارات..ولعل ذلك ديدنه منذ انطلاق الثورة السورية، والذي أدى بحسب رأينا، إلى بعد المسافة بين الرئيس والشعب .. فهو قد يكون قد اتخذ قرارات مهمة في البداية من شأنها أن تغير الحياة السياسية في سوريا، إلا أن مشكلة هذه القرارات، أنها لم تأخذ بالحسبان عامل الزمن.. كان يصدرها، في الوقت الذي يكون فيه الشارع قد تجاوزها بكثير.. وهذا ما ينطبق على الليرة السورية تماما..كان من شأن قرار كهذا، أن يؤتي أكله، لو تم إصداره في العام 2012، أو بعد هذا التاريخ بعام وعامين، أما وقد فقد الاقتصاد كل مقوماته، فلا يعدو الأمر مجرد استعرض رخيص لقوة الدولة، التي لم تعد تملك من القوة سوى التهديد والوعيد..

أخيرا، يجب أن يفهم بشار الأسد أنه فاقد للكاريزما .. فمثلما أن الصوت الجميل والقوي ليس شرطا لنجاح المطرب، وكذلك الإجرام والقتل، قد لا يصنع ديكتاتورا مهابا..وإنما مجنونا وأهبل..!

*فؤاد عبد العزيز - من كتاب "زمان الوصل"
(235)    هل أعجبتك المقالة (234)

بنت سوريا

2020-01-21

مقال جميل جدا ويعبر عن الواقع بموضوعي. سلمت أناملك.


2020-01-25

الاستعراض ليس بما يخص الليرة الاستعراض بكل شي.


التعليقات (2)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي