يبدو العام 2020 عام تفكيك العقد الأمنية في سوريا، ويظهر هذا بداية في عملية تصفية قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، وهي العملية التي خلّفت ارتياحاً غير معلن في موسكو وربما أنقرة التي نفت تقديمها التعازي بعبارات تبجيلية.
وبما أن النظام المخابراتي السوري يجيد لعبة البيع في ذروة ارتفاع الطلب في السوق الأمني، كما حصل في مرات سابقة عندما سلّم عبد الله أوجلان، وأبلغ عن "كارلوس"، وغيرها كثير من الحوادث المماثلة، وصولا إلى ما تشير إليه التحقيقات بوجود مخبرين في دمشق ساعدوا على تصفية سليماني، فإن لقاء على مستوى رأسي جهازي الأمن في تركيا ونظام الأسد في موسكو لن يكون هدفه تدعيم العلاقات السياحية بين دمشق وأنقرة، فهناك أولويات ومصالح تسعى أنقرة لتحقيقها حتى ولو كلف الأمر لقاء أمنيا من هذا النوع.
ما رشح عن لقاء علي مملوك رئيس مكتب الأمن الوطني وهاكان فيدان رئيس جهاز الاستخبارات التركي يشير بوضوح إلى عرض قدّمه الأتراك لنظام الأسد يقوم على تصفية وجود المجموعات المسلحة الكردية في شمال وشمال شرق سوريا، وحتى لو لم يفصح الطرفان عن المقابل فإن مجرد التنسيق على هذا المستوى كان حلماً للنظام السوري قبل عام، وبالمقارنة مع تاريخ العلاقات بين البلدين منذ عام 1998 فإن تركيز دمشق كان دائما على كسب شراكة تركيا لتثبيت وجود النظام، بينما تتركز أهداف أنقرة في المسألة الأمنية وعلى رأسها قضية الفصائل الكوردية التي تتهما تركيا بـ "الإرهابية" والتي تتبنى موقفا راديكاليا يتماهي مع تنظيم PKK الذي كلّفت محاربته عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين والعسكريين.
لا يبدو أن مسألة وقف إطلاق النار في إدلب وفق اتفاق موسكو ـ أنقرة هي الهدف، ولذلك فإن الصيّد الثمين للأتراك هو تنظيما "قوات سوريا الديمقراطية" و"وحدات حماية الشعب" الكرديان، وبعد ذلك لا يشكّ المحللون بأن تغيير ظروف السيطرة في إدلب أمر سيمانعه الأتراك، بل وربما سيشاركون فيه.
يريد الأتراك أن يفسدوا أي مخطط لتحويل الأكراد مخلب قطّ لنظام الأسد، أو حتى قوى إقليمية منافسة، ويبدو واضحاً أن تصفية وجود هذه الجماعات يدخل في الخريطة الاستراتيجية لصراع نفوذ أوسع، فالتحالف السعودي الإماراتي ذهب بعيدا في دعم الأكراد، وسعى الإيرانيون أيضا لكسبهم، فيما استخدمهم الأمريكيون لمحاربة تنظيم الدولة، وبقيت روسيا تستخدم سياسة الباب الدوّار في قضيتهم لحين تحديد لحظة مناسبة للاستفادة من بيعهم أو تعزيز دورهم، وهي التي ـ موسكو ـ سبق وأن سمحت بفتح ممثلية لما يسمى "روج آفا" قبل أن تعيد إغلاقها.
على غير العادة يبدو الروس ذاهبين إلى تفاهمات أوسع وتصفية نفوذ جهات وقوى دولية تعمل في خارطة نفوذها، وتعزيز الشراكات مع قوى ودول أخرى تؤمن مصالحها معها، وتبدو النتائج جليّة في الارتياح الضمني الروسي لتقليم أظافر إيران في سوريا، مقابل سلسلة تفاهمات وتواصل على المستويات كافة مع أنقرة، والعمل على ملفات الطاقة، والملف السوري، ومحاولة فرض اتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا بين حكومة الوفاق المعترف بها دوليا، وقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر المدعومة من مصر وتحالف الرياض ـ أبوظبي.
مع تعاظم الدور الروسي، يبدو الرئيس رجب طيب أردوغان مسلّحا أيضا باستراتيجية تعزيز نفوذ في مرحلة شديدة الحرج بالنسبة للأميركيين، حيث دخلت الولايات المتحدة مرحلة التحضير للانتخابات الرئاسية بصراع داخلي بين الديمقراطيين وإدارة دونالد ترامب، وفي قراءة لطبيعة حصاد الأشهر المقبلة حتى نهاية 2020، فإن الروسي استطاع تدوير الزوايا مع الجميع، وهو ـ منطقياـ سيواصل "التانغو" مع التركي، فإذا كانت مصلحة الأول ـ الروسي ـ تقول بسيطرة كاملة لنظام الأسد فإن إدلب مقبلة على مذبحة أو تصفية رضائية تقضي بمصالحة أو خروج الفصائل المسلحة مع حلّ غير واضح مع الفصائل الإسلامية، وبالنسبة للأخير ـ التركي ـ فسيسعى لتصفية الوجود الكوردي المسلح على طول الحدود، وهو ما يرجح أن يكون مضمون التواصل بين أنقرة ودمشق، وإن صحّت الفرضية فإننا وحتى نهاية سنشهد شطب اثنين من العقد الأمنية في سوريا هما مظلوم بما يمثلة للأكراد، والجولاني بما يمثله للقاعدة والقوى المتطرفة.
هل اتفق مملوك وفيدان على بيع مظلوم وتسليم إدلب*

*علي عيد - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية