في بداية عام 2011 وفي تشرين الثاني نوفمبر/2012 ظهر "دونالد ترامب" -والذي لم يكن وقتها مرشحاً للرئاسة الأمريكية- ظهر في فيديو يتهجم فيه على الرئيس الأمريكي آنذاك باراك أوباما بأنه يريد أن يشعل حرباً مع إيران، حتى ينتخبه الأمريكيون لفترة رئاسية ثانية، لكن أوباما اختار الحوار مع إيران وتجنيب بلاده والمنطقة حرباً جديدة وفاز بفترة رئاسية بدون إدخال بلاده في حروب.
اليوم وبعد مضي سنوات عديدة على ذلك التسجيل، نرى الرئيس الأمريكي يحاول افتعال المشاكل مع إيران، بذات الطريقة التي اتهم فيه سلفه أوباما، وعلى ما يبدو هو مقتنع بأن هذا الباب هو فرصته الوحيدة لنجاحه في فترة انتخابية جديدة.
ما زلت لا أرى أي عداء حقيقي بين الدولتين الأمريكية والإيرانية، ومقتنعة تماماً بأن إيران ما هي سوى ذراع وذريعة لأمريكا في المنطقة، ولا يخفى على أحد أن نظام الملالي بأكمله هو صناعة غربية-أمريكية بامتياز وخادم لمصالح الغرب في المنطقة بشكل لا يدع مجالاً للشك، وإلا ما التبرير لدخول إيران بهذه القوة للعراق بعد الاجتياح الأمريكي لهذا البلد العريق.
قد لا يقتنع كثيرون أن كلاً من صدام حسين وحافظ الأسد ووريثه بشار ما هم إلا أحجار شطرنج على رقعة لعب الولايات المتحدة وإسرائيل معاً.
اليوم تحاول أمريكا أن تصنع من إيران نداً قوياً يعطيها المد الكبير في الخليج والشرق الأوسط كقوة وحيدة قادرة على حمايتهم من حلم إيران بإقامة الهلال الشيعي المزعوم... لكن ما نراه على أرض الواقع مجرد حركات بهلوانية وسيناريوهات مسرحية مرسومة بعناية بينهما، فتقتل أمريكا سيلماني القائد الذي صنعته بنفسها وجعلت منه رقماً صعباً في معادلة الحرب، لتتخلص منه في الوقت المناسب في استعراض يجعلها تبدو كبطل الأفلام الهوليودية في القضاء على "الإرهابيين".
بالمقابل ترد إيران بصواريخ على قواعد أمريكية فلا تقتل إلا عراقيين وإيرانيين، فتظهر هي الأخرى بمظهر البطل والند للند مع أقوى دولة في العالم، فهل تعتبر هذه الضربات قد حققت خسائر فعلاً للطرفين أم ساهمت في تقويتهما؟
على مستوى الشارع الأمريكي الداخلي فقد تراوحت ردود الأفعال بين أكثرية التفت حول الرئيس ترمب كرجل يفعل أكثر مما يقول وأقلية وقفت ضد مقتل "سليماني"، واعتبرته حركة انتحارية ستوجه الحقد الإيراني ضد بلادهم وهو ما كانوا في غنى عنه متناسين أن شعار (الموت لأمريكا) الذي اخترعته إيران منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية لم يكن إلا ظاهرة صوتية ولم تنفذ إلا الموت للعرب.
وبما يخص إيران فقد ظهرت بأنها قالت وفعلت، من خلال الصواريخ التي أطلقتها على قواعد "عين الأسد" و"أربيل"، وعلا صوت الخامنئي متبجحاً بأن عملية الشهيد سليماني صفعة في وجه أمريكا، ليتبعه تصريح رئيس الدبلوماسية الإيرانية "محمد جواد ظريف" بأن العملية الانتقامية تمت بنجاح، وبالتالي ووفقًا لميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على أن "الدولة" يمكنها أن تدافع عن نفسها، فقد تم الانتهاء من الرد وانتهى الأمر، وهذا ما يؤكد أن الولايات المتحدة وإيران تريدان تجنب التصعيد والاكتفاء بهذا القدر من تبادل الأدوار.
ولكن ماذا عن الأعمال الانتقامية التي وعد بها حلفاء إيران في المنطقة: حزب الله في لبنان، والحوثيون في اليمن، والميليشيات الشيعية في العراق وسوريا؟
اليوم يجتمع الاتحاد الأوروبي في بروكسل مؤكداً على ضرورة التوسط لدى الجانب الإيراني لضبط النفس والعودة إلى طاولة المفاوضات الأمريكية للعودة للاتفاق النووي، وبالطبع يتم رفع الأصوات عبر المحيط الأطلسي لإدانة هذه عملية الاغتيال، وتحدي مشروعيتها والتنبؤ بعواقبها الوخيمة.
برأي الشخصي بعد هذا الفصل من الأحداث، سنشهد تطوراً في العلاقات الإيرانية الأمريكية، وسيعود الطرفان إلى طاولة الحوار، فيما سينجح ترامب بانتخاباته القادمة، وسيزيد الثقل الإيراني لدى مؤيديه كقطب الممانعة الأقوى والذي يدفع الأثمان الباهظة في سبيل هذه المقاومة.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية